بهاء. ومن قرأ بحذف الواو وإثبَاتِ الضمةِ فذلك مثل حذف الياء
وإثبات الكسرة، ومَنْ أَسْكَنَ الهاءَ فغالط، لأن لهاء ليست بمجزومة
ولها وَجْه من القِياس، وهو أنه يُجْري الهاء في الوصل على حالها
في الوقف، وأكثر ما يقع هذا في الشعر أن تحذف هذه الهاء وتبقي
كسرة (١).
قال الشاعر:
فإنْ يَك غثاً أوسميناً فَإنَني... سأجعل عينيه لِنَفْسِهْ مَقْنَعاً
وقوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)
فيه قولان:
قال بعضهم: كل هناه التقديم والتأخير، معناه اذهب
بِكِتَابي هذا فألقه إليهم فانظر مَاذَا يَرْجِعونَ ثم تول عنهم، وقال هذا
لأنَّ رجوعَه من عندهم والتولي عنهم بعد أن ينظر ما الجواب.
وهذا حسن، والتقديم والتأخير كثير في الكلام، وقالوا معنى (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ)
تول عنهم مسْتَتِراً من حَيْث لا يَرَوْنَكَ، فانظر ماذا يردونَ مِنَ الجواب.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩)
فمضى الهدهد فألقى الكتاب إليهم فسمِعَها تَقول: (يَا أيها الملأ)
فحذف. هذا لأن في الكلام دليلًا عليه.
ومعنى (كِتَابٌ كَرِيمٌ) حَسَن ما فيه، ثم بَيَّنَتْ ما فيه فَقَالَتْ:
(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)
قوله: ﴿فَأَلْقِهْ﴾ قرأ أبو عمرو وحمزةُ وأبو بكر بإسكان الهاء، وقالون بكسرها فقط من غيرِ صلةٍ بلا خلافٍ عنه. وهشام عنه وجهان بالقصرِ والصلةِ. والباقون بالصلة بلا خلاف. وقد تقدَّم توجيهُ ذلك كلَّه في آل عمران والنساء وغيرِهما عند ﴿يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: ٧٥] و ﴿نُوَلِّهِ مَا تولى﴾ [النساء: ١١٥]. وقرأ مسلم بن جندب بضمِّ الهاءِ موصولةً بواوِ: «فَأَلْقِهُوْ إليهم» وقد تقدَّم أنَّ الضمَّ الأصلُ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).