(إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ): المعنى لمن آمن بك.
(وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ): لِمَنْ كَذبَك.
* * *
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٤٤)
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ)
أي بُيِّنَت.
(أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ).
وتقرأ (أَأَعْجَمِيٌّ) بهمزتين وَ (أَعْجَمِيٌّ) بهمزةٍ واحدةٍ وبهمزة بعدها مخففة
تشبه الألف، ولا يجوز أن يكون ألفاً خَالِصَةً لأن بعدها العين وهي ساكنة.
وتقرأ أَعجَمِي وعَرَبي - بهمزة واحدة وفتح العين.
وقرأ الحسن أَعْجَمى بهمزة وَسَكُونِ العَيْن.
والذِي جَاءَ في التفْسِير أَن المعنى (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا): هلَّا
بينت آياتِهِ، أقرآنٌ أعجميٌّ ونبيٌّ عربي.
فمن قرأ (آأعجمي) فهمزة وألفٍ فَإنهُ مَنْسوبُ إلى اللسَانِ الأعجم، تقول: هذا رَجُل أعجمي إذا كان لا يُفْصِحُ إن
كَانَ مِنَ العَجَمِ أو من العَرَبٍ، وتقول: هذا رجل عَجَمِي إذا كان من
الأعاجم، فصيحاً كان أَمْ غَيرَ فصيح، ومثل ذَلِكَ: هذا رَجُلٌ أعرابي إذا كان من أهل البادية، وكان جنسه من العَرَب أو من غير العَرَبِ، والأجودُ في القرآن أَعْجَمِي بهمزة وأَلِفٍ على جهة النسبة إلى الأعْجَمِ، ألا ترى قوله: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا)، ولم يقرأ أحَد عَجَميُّا.
فأمَّا قراءة الحسن أعني أَعْجَمى بإسكان العَيْنِ لا على معنى الاستفهام ولكن على معنى هَلَّا بُيِّنَتْ آياتُه، فجعل بعضه بياناً للعجم وبعضه بياناً للعرب، وكل هذه الأوجه الأربعة سائغ في العربية
وعلى ذلك تفسيره (١).

(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿ءَاعْجَمِيٌّ﴾: قرأ الأخوان وأبو بكر بتحقيقِ الهمزة، وهشام بإسقاطِ الأولى. والباقون بتسهيلِ الثانية بينَ بينَ. وأمَّا المدُّ فقد عُرِف حكمُه مِنْ قولِه: «أأنذَرْتَهم» في أولِ هذا الموضوع. فمَنْ استفَهْم قال: معناه أكتابٌ أَعجميٌّ ورسولٌ عربيٌّ. وقيل: ومُرْسَلٌ إليه عَربيٌّ. وقيل: معناه أَبَعْضُهُ أعجميٌّ وبعضُه عربيٌّ. ومَنْ لم يُثْبِتْ همزةَ استفهامٍ فيُحتمل أنه حَذَفها لفظاً وأرادها معنًى. وفيه توافُقُ القراءتين. إلاَّ أنَّ ذلك لا يجوز عند الجمهور، إلاَّ إنْ كان في الكلام «أم» نحو:
٣٩٦٠............................. بسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أم بثمان
فإنْ لم تكنْ «أم» لم يَجُزْ إلاَّ عند الأخفش. وتقدَّم ما فيه، ويحتمل أَنْ يكونَ جعله خبراً مَحْضاً ويكونُ معناه: هَلاَّ فُصِّلَتْ آياتُه فكان بعضُها أعجمياً تفهمُه العجمُ، وبعضُها عربياً يفهمُه العربُ.
والأعجميُّ مَنْ لا يُفْصِحُ، وإن كان مِنَ العرب، وهو منسوبٌ إلى صفته كأحمرِيّ ودَوَّاريّ، فالياءُ فيه للمبالغةِ في الوصفِ وليس النسبُ منه حقيقياً. وقال الرازيُّ في لوامحه: «فهو كياء كُرْسِيّ وبُخْتِيّ». وفَرَّق الشيخُ بينهما فقال: «وليسَتْ كياءِ كُرْسِيّ فإن كرسيّ وبُخْتيّ بُنِيَتِ الكلمةُ عليها بخلافِ ياء» أعجميّ «فإنهم يقولون: رجل أَعْجم وأعْجميّ».
وقرأ عمرو بن ميمون «أَعَجَمِيٌّ» بفتح العين وهو منسوبٌ إلى العجم، والياءُ فيه للنسَبِ حقيقةً يُقال: رجل أعجميٌّ وإنْ كان فصيحاً. وقد تقدَّم الكلامُ في الفرقِ بينهما في سورةِ الشعراء.
وفي رفع «أَعْجميّ» ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه مبتدأٌ، والخبرُ محذوف تقديرُه، أعجميٌّ وعربيٌّ يَسْتويان. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ محذوف أي: هو، أي: القرآن أعجميٌّ والمرسلُ به عربيٌّ. والثالث: أنه فاعلُ فعلٍ مضمرٍ أي: أيَسْتوي أعجميٌّ وعربيٌّ. وهذا ضعيفٌ؛ إذ لا يُحذف الفعلُ إلاَّ في مواضعَ بَيَّنْتُها غيرَ مرةٍ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).


الصفحة التالية
Icon