جليَّ، وخفيَّ، فالجلي: ما أدركناه إما بالحاسة، أو ببديهة العقل.
والخفي: ما يتوصل إليه بوساطة أحد هذين، فسبحان الذي شرف الإنسان بهذه المنزلة السنية لتكون ذريعة لهَ إلى إدراك الحياة الأبدية وتحصيل ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾.
(فصل في شرف علم التفسير)
أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن وتأويله، وذلك أن الصناعات الحقيقة إنما تشرف بأحد ثلاثة أشياء: " إما بشرف موضوعاتها، وهي المعمول فيها، نحو أن يقال: الصياغة أشرف من الدباغة لأن موضوعها - وهو الذهب والفضة - أشرف من جلد الميتة - الذي هو موضوع الدباغة وإما بشرف صورها: نحو أن يقال: طبع السيوف اشرف من طبع القيود..
وإما بشرف أغراضها وكمالها، كصناعة الطب - التي غرضها إفادة الصحة - فإنها أشرف من الكناسة - التي غرضها تنظيف المستراح، فإذا ثبت ذلك، فصناعة التفسير قد حصل لها الشرف من الجهات الثلاث، وهو أن موضوع المفسر كلام الله تعالى: الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضله.
وصورة فعله: إظهار خفيات ما أودعه مُنْزِلُهُ من أسراره ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، وغرضه: التمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، والوصول إلى السعادة الحقيقة التي لافناء لها.
ولهذا عظمَ الله محله بقوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
" قيل: هو تفسير القرآن ".