(فصل في بيان الآلات التي يحتاج إليها المفسر)
اختلف الناس في تفسير القرآن: هل يجوز لكل ذي علم الخوض فيه؟ فبعض يشدد في ذلك وقال: لا يجوز لأحد تفسير شيء من القرآن، وإن كان عالماً أدبياً متسعاً في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار، وإنما له أن ينتهي إلى ما روى عن النبي - ﷺ - وعن الذين شهدوا التنزيل من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -، أو عن الذين أخذوا عنهم من التابعين، واحتجوا في ذلك بما روي عنه عليه السلام: " من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار "، وقوله عليه السلام: " من فسر القرآن برأية فأصاب فقد أخطأ "، وفي خبر " من قال في القرآن برأية فقد كفر "، وبما روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - " أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي ".
وذكر آخرون أن من كان ذا أدب وسيع فموسع له أن يفسره فالعقلاء والأدباء " فوضى فضاً " في معرفة الأغراض، واحتجوا في ذلك بقوله تعالى:
﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
وذكر بعذ المحققين " أن المذهبين " هما الغلو والتقصير، فمن اقتصر على المنقول إليه فقد " ترك كثيراً مما يحتاج إليه "، ومن أجاز لكل أحد الخوض فيه، فقد عرضه للتخليط، ولم يعتبر حقيقة قوله تعالى: ﴿لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾..
والواجب: أن يبين أولاً ما ينطوي عليه


الصفحة التالية
Icon