فيؤمنون به، ويعملون بما فيه، أولئك أعظم أجراً منكم " فتبين منه - عليه السلام - أن من بعده يحتاج إلى نظر أكثر من نظر الذين شاهدوه فقد كفوا كثيراً من أخبار الغيب.
وقوله: " بالغيب " في موضع المفعول.
كقوله: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ وقال بعضهم: معناه: يؤمنون إذا غابوا عنكم، ولم يكونوا كالمنافقين الذين ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾.
وقوى ما قاله بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ وقوله ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾، قول الشاعر:
وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا
ويكون " بالغيب " على هذا في موضع الحال.
ومفعول: " يؤمنون ": محذوف.
وقال بعض المتأخرين من المتكلمين: يحمل قوله تعالى " بالغيب " على المعنيين وخفي عليه أن ذلك لا يصح، فإن وبالغيب في القول الأول: مفعول: في القول الثاني: حال لا يصح أن يقال ضربت راكباً، و " راكب " يكون مفعولاً: لـ " لضربت " و " حالاً " للفاعل.
والوجه: هو القول الأول، لأنه مستوعب لمعنى الثاني وزائد عليه، إذ كل من آمن - على الوجه الأول - فلا شك أنه بخلاف من يقول: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ وقيل: معنى قوله: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ يعني بالقلب، والنور الذي آتاهم الله وهو العقل، ومعناه: آمنوا بقلوبهم، بخلاف من أخبر الله تعالى عنهم بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ومن حكى عنهم: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ وهذا أيضاً يرجع إلى الأول عند التحقيق، وقيل: " يؤمنون " من: " آمن فلان " - أي: صار ذا أمنٍ نحو أحال وأجرب.
ومعناه: صاروا ذوي أمن بظهر الغيب بأن ما أخبروا به حق، فتطمئن قلوبهم بذكر الله.


الصفحة التالية
Icon