أنواع من الذنوب يقابلها في الدنيا ثلاث عقوبات.
الأول: الغفلة عن العبارات، وذلك يورث صاحبها جسارة على ارتكاب الذنوب، وهي المشار إليها بقوله عليه السلام: " إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كان نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى يغلق قلبه " " والثاني: الجسارة على ارتكاب المحارم، إما الشهوة تدعوه إليه أو وشرارة تحسنه في عينه، وذلك يورثه وقاحة، وهي المعبر عنها بالرين في قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ والثالث: الضلال، وهو أن يسبق إلى اعتقاد مذهب باطل، وأعظمه الكفر، فلا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق، وذلك يورثه هيئة تمرنه على استحسانه للمعاصي واستقباحه للطاعات، وهو المعبر عنه بالختم والطبع، وكما عبر عنه بذلك في قوله تعالى: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ﴾ وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ فقد عبر عنه بالإقفال في قوله تعالى: ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ وبالإغفال في قوله: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾ وبقساوة القلب في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ وبجعل أكنةٍ عليها في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ وبعدم العقل في آيات كثيرة.
ويجب أن يتصور ههنا نكتة تزيل الشبهة فيها وفيما أشبهها من الآيات، وهي أن الهداية من الله تعالى ضربان، أحدهما: بالعقل الذي هو فطرته التي فطر الناس عليها، ومتى توهم نفياً مرتفعاً ارتفع التكليف، والثاني: العلم المحصل للإنسان بالفكر والروية بواسطة ما أعطى من نور الهداية الأولى، وهو الذي أشار إليه النبي - ﷺ - فيما قال لعلي - رضي الله تعالى عنه - " إذا تقرب الناس إلى خالقهم بالصلاة والصيام، فتقرب أنت إليه بالعقل تسبقهم بالدرجات " فإذا كان كذلك، وجب أن يكون متصوراً أن هذه الهداية الثانية مباحة للكافة.