والغشاوة: ما يغشى به كالعلاقة، وغشي منه، لكن قلب واوه ياء لنكسار ما قبله، وكذلك: غشيان، كغليان.
ومن نصب غشاوة فعلى تقديره جعل على أبصارهم غشاوة، ومن رفع فعلى القطع والاستئناف، والعذاب: اسم من التعذيب، وكان الأصل من قولهم ما عذب والتعذيب إزالة ذلك العذاب كقولهم مرضته فديته في إزالة المرض والقذى بين العذاب والعقاب أن العقاب لا يقال إلا فيما كان مجازة، وكأنه هو المتعقب للجرم المتقدم، والعذاب يقال فيه وفي غيره، ووصفه بالعظيم: تنبيه أنه إذا قويس بسائر ما يجانسه قصر جميعه عنه.
قوله - عز وجل - ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ الآية: (٨) - سورة البقرة.
الناس: جماعة حيوان ذي فكر ورويةٍ، واختلف في لفظه، فقيل: هو من قولهم: أناس، وحذف همزته وتقديره بعد الحذف عال، وقيل: بل هو من: " ناس " - ينوس - أي اضطرب، وتسميته بذلك لكونه ذا اضطراب زائد على غيره، إما ببدنه وفكره معاً، فللإنسان بالفكر حركة زائدة على سائر الحيوان، وقيل: هو ومقلوب من: نسى، نحو: " جذب "، و " جبذ " ولاه أبوك ولهي أبوك، وكذا قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في الإنسان: إنه سمى بذلك لأنه عهد إليه فنسى، فإنسان: على ذلك: " أفعلان " أصله " إنسيان " بدلالة تصغيرهم على أنيسان وقيل: سمي إنسا وإنساناً لانه خلق خلقه لا قوام له في حياته بجميع أسبابه، فيحتاج البعض إلى بعض ليتسبب لهم أمورهم ولأنه إذا لم يكن له مسكون إليه من جنسه لم تطب حياته، وعلى ذلك قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ وهذا المعنى رمقه الشاعر حيث قال:
من كان في الدنيا بغير حبيب... فحياته فيها حياة غريب
ما كان في حور الجنان لا دم... لو لم يكن حواء من مرغوب
قد كان في الفردوس يشكو وحشة... فيها فلم يأنس بغير حبيب