لم قال (يخادعون الله) وهم لم يقصدوا بفعلهم خديعته؟ قيل: ذكر بعض النحويين أنه أراد تعالى " يخادعون رسول الله "، فحذف المضاف، وهذا باعتبار حكم اللفظ دون المعنى فأما باعتبار المعنى فإنهم لما قصدوا خديعة النبي - عليه السلام - وقد أنبأ تعالى أن معاملة الله تعالى، حتى قال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ جعلهم مخادعين له بخديعتهم النبي - ﷺ -،
فإن قيل: المخادعة من بين اثنين، وقد علم أن ذلك لم يكن من الله تعالى ولا من الرسول - ﷺ -، فكيف قال يخادعون؟ قيل: قد قال أهل اللغة وكثير من المفسرين: أن الخديعة من الله هي مجازاته إياهم بمثل فعلهم، فسمي مجازاة الشيء باسمه، وكذلك قالوا في المكر والهزؤ ونحوهما مما وصف به نفسه، ولا يليق به، وعلى ذلك قول الشاعر:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ووجه أخر وهو أنه قد تقدم أن مخادعتهم لله - عز وجل - في الحقيقة مخادعة الرسول، ولما كانوا يراؤون ليزيل عنهم حكم المشركين ويجريهم في الأحكام مجرى المؤمنين، ويطلعهم على الأسرار، وهو لا يجريهم في كثير من الأمور مجراهم تصوروا أن ذلك لهم خداع، كما أن الأول منهم له خداع، فأخرج اللفظ على حسب وهمهم وجسبانهم فهمهم، لا على ما عليه حقيقة الأمر.
وقد يطلق الحكم على المعنى عبارة على حسب اعتقاد المخاطب والمخبر عنه لأعلى ما عليه حقيقة الأمر كقوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ أي على زعمك، وقول الشاعر:
خذها خذيف فأنت السيد الصمد..


الصفحة التالية
Icon