في الله تعالى مع ورود الشرع به، فأنشد:
ويقبح من سؤال الشيء عندي...
فتفعله فيحسن منك ذاكا
فهذا ظاهر لمن جلى بصيرته وتأمل حقيقته، ونبه بقوله: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ أن وبال خديعتهم راجع على أنفسهم لا على الله تعالى وعلى المؤمنين، كقولك: " ظلمت فلاناً وما ظلمت إلا نفسك "، وذلك في الحقيقة أعظم خديعة وظلم وجور، فإن الله تعالى لما قيض لهم النعيم الأبدي والخير السرمدي، وسهل لهم السبيل إليه، ثم غفلوا عنه، ومالوا إلى زهرات الدنيا، صاروا في الحقيقة خادعين لأنفسهم ظالمين لها، ولذلك وصفهم في القرآن بطلم أنفسهم في غير موضع وبأنهم خسروا أنفسهم وما يمركون إلا بأنفسهم، ولأنه قيل: " من خدعك وقد عرفت خديعته فقد خدع نفسه "، ومعلوم أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء، فمن خادعه فقد خدع نفسه، وقوله: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أصل هذا الشعر ومنه الشعار للثوب الذي يلي الجسد، فيقال: أشعرته ثوباً، ثم يقال على التشبيه بذلك أشعرهما، واستشعر سروراً، و " شعرت كذا ": يستعمل على وجهين، تارة يؤخذ من مس الشعر، ويعبر به عن اللمس، وعنه استعمل المشاعر للحواس، فإذا قيل: " فلان لا يشعر " فذلك أبلغ في الذم من أنه لا يسمع ولا يبصر، لأن حس اللمس أعم من حس السمع والبصر، وتارة يقال: " شعرت كذا ": أي أدركت شيئاً دقيقاً من قولهم: شعرته أي أصبت شعره نحو: قادته وراسته، وكأن ذلك إشارة إلى نحو قولهم: " فلان يشق الشعر في كذا " إذا دقق النظر فيه ومنه أخذ الشاعر لإدراكه دقائق المعاني...
قوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ الآية: (١٠) - سورة البقرة.
المرض ضربان: جسمي ونفسي، وكلاهما خروج عن الاعتدال الخاص بهما، فالجسمي: معروف، والنفسي: كالجهل والجبن والبخل الوحسد والحرص وسائر الرذايل الخلقية وتسميتها بالمرض إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل، كالمرض الملنع للبدن عن التصرف الكامل، وأما لكونها ذريعة إلى سلب الحياة الحقيقة التي هي في الدنيا لسان صدق، وفي الآخرة بقاء الأبد، كما وصفه تعالى في قوله: