وَفِي «تَفْسِيرِ القُرْطُبِيِّ»: «وَقِيلَ: اللَّوْحُ المَحْفُوظُ هُوَ الَّذِي فِيهِ أَصْنَافُ الخَلْقِ وَالخَلِيقَةِ، وَبَيَانُ أُمُورِهِمْ، وَذِكْرُ آجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَالأَقْضِيَةِ النَّافِذَةِ فِيهِمْ وَمَآلِ عَوَاقِبِ أُمُورِهِمْ، وَهُوَ أُمُّ الكِتَابِ» (١).
قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا: فَهَلَّا اكْتُفِيَ بِمَا كُتِبَ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ عَنْ كِتَابَةِ أَعْمَالِنَا فِي الصُّحُفِ وَفِي الكِتَابِ المُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ (٢)؟!
وَلَعَلَّ الجَوَابَ: أَنَّ المَكْتُوبَ فِي اللَّوْحِ المَحفُوظِ عَامٌّ يَشْمَلُ الأَعْمَالَ وَغَيْرَهَا، فَاقْتَضَتِ الحِكْمَةُ الإِلَهِيَّةُ لِذَلِكَ انْفِرَادَ الأَعْمَالِ بِكِتَابٍ يَخُصُّهَا، كَمَا اقْتَضَتْ - أَيْضًا - مَعَ ذَلِكَ كِتَابَةَ عَمَلِ كُلِّ إِنْسَانٍ بِكِتَابٍ يَخُصُّهُ - كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ (٣) -.
وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ (٤) عَلَى مَزِيدِ الضَّبْطِ وَالحِسَابِ؛ كَمَا يَقَعُ لِكَتَبَةِ الدَّوَاوِينِ - اليَوْمَ - مِنْ ضَبْطِهِمُ الحِسَابَ فِي دَفْتَرٍ (٥) بَعْدَ دَفْتَرٍ.

(١) انْظُرْ «تَفْسِيرَ القُرُطُبِيِّ» (١٩/ ٢٩٨).
(٢) سُورَةُ (الكَهْف)، آيَة (٤٩)، وَفِي المَخْطُوطِ سَقَطَتْ: (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ).
(٣) سُورَةُ (الإِسْرَاء)، آيَة (١٣).
(٤) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا.
(٥) بِفَتْحِ الدَّالِ، وَوَرَدَ الكَسْرُ لُغَةً - أَيْضًا -، وَ (التَّفْتَرُ) - بِالتَّاءِ -: لُغَةٌ فِي (الدَّفْتَرِ).


الصفحة التالية
Icon