قُلْتُ: وَهَلْ تَدْخُلُ الغَايَةُ فِي حَدِيثِ: «فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» (١)، فَيَكُونُ مَقَادِيرُ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَعَدَدُ حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ وَأَنْفَاسِهِمْ مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ؟ أَوِ الغَايَةُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ؟
الظَّاهِرُ: الدُّخُولُ؛ لِلْحَدِيثِ الآخَرِ: «فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ» (٢)، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ؛ لأَنَّهَا حَوَادِثُ لَا آخِرَ لَهَا، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ كِتَابَةُ مَا لَا يَتَنَاهَى، وَمَا لَا يَتَنَاهَى ضَبْطُهُ مُحَالٌ.
بَلْ سُئِلْنَا: هَلْ يَعْلَمُ اللهُ عَدَدَ أَنْفَاسِ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ؟
لَمْ يَسَعْنَا أَنْ نَقُولَ: (لَا)؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِشْعَارِ بِالجَهْلِ، وَلَا (نَعَمْ)؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ يَفْنَوْنَ.
قَالَ النَّسَفِيُّ (٣) فِي «بَحْرِ الكَلَامِ»: «وَالجَوَابُ: أَنْ نَقُولَ: إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ [أَنَّ] (٤) أَنْفَاسَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ لَيْسَتْ بِمَعْدُودَةٍ، وَلَا تَنْقَطِعُ» (٥).
(٢) عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ (٣٣١٩) وَغَيْرِهِ.
(٣) هُوَ: مَيْمُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَبُو المُعِينِ، النَّسَفِيُّ الحَنَفِيُّ، عَالِمٌ بِالأُصُولِ وَالكَلَامِ، مِنْ كُتُبِهِ: «بَحْرُ الكَلَامِ»، تُوُفِّيَ سَنَةَ (٥٠٨هـ)، انْظُرِ «الأَعْلَامَ» لِلزِّرِكْلِيِّ (٧/ ٣٤١).
قُلْتُ: وَلَيْسَ هُوَ أَبَا البَرَكَاتِ النَّسَفِيَّ المُتَوَفَّى سَنَةَ (٧١٠هـ)، صَاحِبَ التَّفْسِيرِ «مَدَارِكِ التَّنْزِيلِ وَحَقَائِقِ التَّأوِيلِ»، فَبَيْنَهُمَا مِئَتَا سَنَةٍ، وَالاثْنَانِ مِنْ أَعْلَامِ مَذْهَبِ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ.
(٤) مَا بَيْنَ الحَاصِرَتَيْنِ مُثْبَتٌ مِنْ «بَحْرِ الكَلَامِ» (ص٢٢٤).
(٥) انْظُرْ «بَحْرَ الكَلَامِ» لِأَبِي المُعِينَ النَّسَفِيِّ (ص٢٢٤).