أما بعدُ:
فإن القرآنَ العظيمَ هو مَأْدُبَةُ اللَّهِ (عز وجل) (١)، فيه نَبَأُ ما قَبْلَنَا، وخبرُ ما بَعْدَنَا، وهو حَبْلُ اللَّهِ المتينُ، والذكرُ الحكيمُ، وهو الفصلُ ليس بالهزلِ، مَنْ تَرَكَهُ من جبارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، ومن ابْتَغَى الْهُدَى في غيرِه أَضَلَّهُ اللَّهُ، وهو الصراطُ المستقيمُ الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تلتبسُ به الألسنةُ، ولا تَشْبَعُ منه العلماءُ، ولا يَخْلَقُ على كثرةِ الردِّ، ولا تنقضي عجائبُه، مَنْ قال به صَدَقَ، ومن عَمِلَ به أُجِرَ، ومن حَكَمَ به عَدَلَ، ومن دَعَا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ (٢).
ولقد بَيَّنَ النبيُّ - ﷺ - حروفَ القرآنِ كما بَيَّنَ ما قد يَخْفَى من
_________
(١) اقتباس من أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن المبارك في الزهد ص٢٧٢، وعبد الرزاق في المصنف (٥٩٩٨، ٦٠١٧)، (٣/ ٣٦٨، ٣٧٥)، وسعيد بن منصور (التفسير)، (٧)، (١/ ٤٣)، والدارمي (٣٣١٠، ٣٣١٨)، (٢/ ٣٠٨، ٣١٠)، وابن نصر في قيام الليل (المختصر ص١٧٣)، والفريابي في فضائل القرآن (٤١، ٥٩)، ص١٥٢، ١٦٦، والطبراني في الكبير (٩/ ١٣٨)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٣٠ - ١٣١)، وتاريخ أصبهان (٢/ ٢٤٢)، والرازي في فضائل القرآن (٣١)، ص ٧٤، والبيهقي في السنن الصغير (٩٤٤)، (١/ ٣٣٣)، والشعب (١٧٨٦، ١٨٣٢)، (٤/ ٤٩٣، ٥٤٩)، وابن منده في الرد على من يقول (آلم) حرف (٩)، ص ٤٨، والشجري في الأمالي (ترتيب الأمالي)، (٤٤٧، ٥٧٦)، (١/ ١١٦، ١٥٥)، والبغوي في التفسير (١/ ٣٢). موقوفاً.
وقد رُوي مرفوعًا: أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (٧)، (١/ ٢٤٠)، وابن أبي شيبة في المسند (٣٧٦)، (١/ ٢٥١)، والمصنف (١٠٠٥٦)، (١٠/ ٤٨٢)، وابن نصر في قيام الليل (المختصر ص١٧١)، وابن حبان في المجروحين (١/ ١٠٠)، والآجري في أخلاق أهل القرآن (١١)، ص٥٢، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (٦٤٧)، (٤/ ٢٥٢)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (٢٠٢)، ص٦٩، والحاكم في المستدرك (١/ ٥٥٥)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (٢/ ٢٤٨)، والرازي في فضائل القرآن (٣٠)، ص٧٣، ٧٥، والبيهقي في السنن الصغير (٩٤٣)، (١/ ٣٣٣)، والشعب (١٧٨٦، ١٨٣٢)، (٤/ ٤٩٣، ٥٤٩)، والخطيب في الجامع (٧٩)، (١/ ١٠٧)، وابن منده في الرد على من يقول (آلم) حرف (١١)، ص٥٠، والشجري في الأمالي (ترتيب الأمالي) (٤٢٧)، (١/ ١١١)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (١٤٥)، (١/ ١٠١). قال ابن القيسراني في تذكرة الحفاظ (٣٠٣)، ص١٣٠: ((رواه إبراهيم بن مسلم الهجري... وإبراهيم هذا ليس بشيء في الحديث)) ا. هـ.
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (١٤٥)، (١/ ١٠٢): ((هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من كلام ابن مسعود. قال ابن معين: إبراهيم الهجري ليس حديثه بشيء)) ا. هـ.
وقال الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن ص٤٦ بعد أن ساق الحديث من رواية أبي عبيد في فضائل القرآن: ((هذا غريب من هذا الوجه، ورواه محمد بن فضيل عن أبي إسحاق الهجري... وهو أحد التابعين، لكن تكلموا فيه كثيراً، وقال أبو حاتم الرازي: لين ليس بالقوي. وقال أبو الفتح الأزدي: رفاع كثير الوهم.
قلت: فيحتمل - والله أعلم -أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما هو من كلام ابن مسعود، ولكن له شاهد من وجه آخر، والله أعلم)) ا. هـ.
وقال البوصيري في إتحاف الخيرة (٥٩٤٩)، (٦/ ٥٩٥٠): ((رواه الحاكم من طريق صالح بن عمر، عن إبراهيم الهجري، عن أبي الأحوص، عنه به، وقال: تفرد به صالح بن عمر عنه به، وهو صحيح. كذا قال! وليس كما زعم؛ فإن إبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف، وصالح بن عمر لم يتفرد به عن الهجري فقد تابعه عليه أبو معاوية الضرير محمد بن خازم، كما رواه عنه أبو بكر بن أبي شيبة)) ا. هـ.
وأورده الألباني في الضعيفة (٦٨٤٢)، (١٤/ ٧٨٥) وفي ضعيف الترغيب (٨٦٧) (١/ ٢١٦) وصحح وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه.
(٢) اقتباس من حديث يروى عن علي رضي الله عنه مرفوعاً، أخرجه الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن، حديث رقم: (٢٩٠٦)، (٥/ ١٧٢)، وابن أبي شيبة في المصنف (١٠٠٥٦)، (١٠/ ٤٨٢)، وأحمد (١/ ٩١)، والدارمي (٣٣٣٤، ٣٣٣٥)، (٢/ ٣١٢، ٣١٣)، والبزار (٨٣٦)، (٣/ ٧١)، وابن نصر في قيام الليل (المختصر ص١٥٧)، والفريابي في فضائل القرآن (٨٢، ٨١، ٨٠، ٧٩) ص١٨٢ - ١٨٧، وأبو يعلى (٣٦٧)، (١/ ٣٠٢)، والطبراني في الكبير (٢٠/ ٨٤)، وابن عدي في الكامل (٤/ ١٣٢٠)، وأبو طاهر المخلص في المخلصيات (١٩٩٥، ٢٠٠٠)، (٣/ ٦٠، ٦٣)، والبيهقي في الشعب (١٧٨٨)، (٤/ ٤٩٦)، والشجري في الأمالي (ترتيب الأمالي) (٤٦١)، (١/ ١٢٠)، والبغوي في شرح السنة (١١٨١)، (٤/ ٤٣٧)، وفي التفسير (١/ ٣١)، والمزي في تهذيب الكمال (٣٤/ ٢٦٧).
قال الترمذي (٥/ ١٧٢): ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول، وفي الحارث مقال)) ا. هـ.
وعقب عليه الحافظ ابن كثير في فضائل القرآن ص١٠ بقوله: ((لم ينفرد بروايته حمزة بن حبيب الزيات... والحديث مشهور من رواية الحارث الأعور، وقد تكلموا فيه، بل قد كذبه بعضهم من جهة رأيه واعتقاده، أما أنه تعمد الكذب في الحديث فلا، والله أعلم. وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح، على أنه قد روي له شاهد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم)) ا. هـ.
وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (٢/ ٨٨): ((إسناده ضعيف جداً، من أجل الحارث الأعور. ثم الظاهر أنه منقطع... )) ا. هـ. وضعفه الألباني، كما في الضعيفة (٦٣٩٣)، (١٣/ ٨٨٣).
ونحن دائمًا نذكر هذا لأَنَّ الله يُنَبِّهُنَا عليه، وينكرُ علينا أن نغفلَ عنه؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ في السورةِ الكريمةِ- سورةِ الزمرِ: ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾ ثم قال: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ ثم قال: ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)﴾ [الزمر: آية ٦]، أينَ تُصْرَفُونَ وتروحُ عقولُكم عن فِعْلِ خالقِكم فيكم؟ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ عَمَّا يفعلُ اللَّهُ (جل وعلا) فيكم؟ هذه غرائبُ صُنْعِ رَبِّنَا وعجائبُه، حتى إنه من شدةِ لطفهِ وحكمتِه: أن ما يحتاجُ الِإنسانُ إلى تقصيرِه دائمًا، كشعرِه وأظفارِه: نَزَعَ منه روحَ الحياةِ، إِذْ لو جعلَ الحياةَ في الشعرِ والظفرِ لَمْ يَحْلِقِ الإِنْسَانُ، ولم يُقَصِّرْ، ولم يُقَلِّمْ أظفارَه إلا وهو مُنَوَّمٌ في صحية بعمليةٍ. هذا من غرائبِ صُنعِه وعجائبِه (جل وعلا) ولطفِه بخلقِه؛ ولذا نَبَّهَنَا على هذا حيث قال: ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ كما قال جل وعلا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم: الآيتان ٢٠، ٢١] وقال هنا: ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ فلكم بعدَ إنشاءِ تلك النفسِ، وإنشاءِ زَوْجِهَا منها، لكم بعدَ ذلك ﴿فَمُسْتَقَرٌّ﴾ في الأرحامِ، تُنْقَلُونَ فيها من طَوْرِ النطفةِ إلى طَورِ العَلَقَةِ، وَمِنْ طَورِ العَلَقَةِ إلى طَوْرِ المُضْغَةِ إلى آخِرِ الأطوارِ.
﴿وَمُسْتَوْدَعٌ﴾: نُطَفًا في أصلابِ الآباءِ. هذا قولُ أكثرِ المفسرين.
وبعضُ العلماءِ عَكَسَ، قال: الاستيداعُ في بطنِ الأمهاتِ، والاستقرارُ في أصلابِ الرجالِ.
وبعضُ العلماءِ يقولُ: مُسْتَقَرٌّ على ظَهْرِ الأرضِ، ومُسْتَودَعٌ في
فرجها بحلقة لئلا يُنْزَى عليها الذكر فتحمل، وكان يقول الشاعر يهجو بني فزارة من قبائل ذبيان من قيس عيلان بن مضر، كانت العرب تعيرهم بأنهم كانوا يفعلون الفاحشة مع إناث الإبل، وكان الشاعر يقول (١):

لاَ تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ عَلَى قُلُوصِكَ وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ
يعني: خِط فرجها بأسيار لئلا يزني بها إن خلا بها، وقصدنا بهذا الكلام الخبيث بيان لغة العرب، لا المعاني الخسيسة التافهة؛ لأن معاني لغة العرب يُسْتَفَاد منها ما يعين على فهم كتاب الله وسنة رسوله، وإن كان مُفْرَغاً في معاني خسيسة تافهة فنَحْنُ نَقْصِدُ مُطْلَق اللّغَة لا المعاني التافهة التي هي تابعة لها. إذا عرفتم هذا فالْكِتَابة مصدر سيال، سُميت كتابة؛ لأن الكاتب يضم حرفاً إلى حرف، ويجمع حرفاً مع آخر، وحرفاً مع آخر، حتى تحصل من هذا نقوش وحروف تدل على معاني الكلام؛ ولهذا سُمِّيَ الكتاب كتاباً.
وقوله: ﴿أُنُزِلَ إِليْكَ﴾ الجملة الفعلية في قوله: ﴿أُنزِلَ إِليْكَ﴾ في محل النعت لقوله: ﴿كِتابٌ﴾ لأن (٢) النكرات تُنعت بالجمل، ويربط بينها وبين النكرة بالضمير كما هو معروف. وفاعل الإنزال محذوف، والأصل: أنزله الله إليك، وإنما حذف الفاعل اختصاراً؛ لأن من المعلوم أن هذا القرآن العظيم المُعجز الجامع لكل خير، الشامل لعلوم الأولين والآخرين ليس هناك من يقدر على إنزاله إلا خالق السماوات والأرض. ولما كان المُنْزِل معلوماً كان هذا
_________
(١) السابق.
(٢) مضى عند تفسير الآية (٤٨) من سورة البقرة.
تأويلها والإتيان بغيرها!! لا، لا، لا يا عبدي، بل لاحظ أولاً أن صفتي في غاية الكمال والجلال والتنزيه عن مشابهة صفات المخلوقين ليمكنك على ذلك الأساس أن تؤمن بها إيمانًا مبنيًّا على أساس التنزيه، كما بينت لك في قولي: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ بعد قولي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: آية ١١] هذا أيها الإخوان بيان واضح لا لبس فيه.
الأساس الثالث: هو أن تعلموا -أيها الإخوان- أن العقول البشرية مخلوقة، وأنها واقفة عند حدها، وأنها متقاصرة عن إدراك الإحاطات والكيفيات بصفاته (جل وعلا)، كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)﴾ [طه: آية ١١٠] فنفى إحاطة العلم البشري نفيًا باتًّا عنه (جل وعلا) لأن الخلق مخلوق، والخالق (جل وعلا) أعظم شأنًا من أن يحيط به خلقه.
هذه الأسس الثلاثة -أيها الإخوان- من لقي منكم الله وهو عليها لقيه على هدى ونور من ربه، وعلى عمل بالقرآن. ومن حاد عنها تخَبَّطَ في ظلام لا يدري في أي وقت يخرج منه. وأنا أقول لكم: إن هذه اللحظات من الأيام والليالي سائرة بنا إلى المحشر سيرًا حثيثًا، كصاحب السفينة يكون نائمًا في مُتكئه في البحر يظن أن السفينة واقفة وهي تقطع فيه المسافات العظيمة في الدقائق والثواني!! فنحن تسير بنا الأيام والليالي إلى ربنا (جل وعلا)، وعن قريب سينكشف لكم الغيب، ونكون جميعًا في صعيد واحد أمام رب العالمين (جل وعلا) والله قد يسألكم عن كل شيء كما قال: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)﴾ [الأعراف: آية ٦] ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)﴾ [الحجر:
وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢)} [الأنفال: الآيتان ٤١، ٤٢].
يقول الله جل وعلا: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١)﴾ [الأنفال: الآية ٤١].
(واعلموا) معناه: تيقنوا؛ لأن العلم إذا أُطلق في القرآن معناه اليقين في جميع القرآن، وقد جاء في حرف في سورة الممتحنة إطلاق العلم مراداً به الظن الغالب، وهو قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ [الممتحنة: الآية ١٠] ﴿عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ﴾ [الممتحنة: الآية ١٠] أي غلب على ظنكم، ظنّاً قويّاً مزاحماً لليقين، ولا يكاد العلم في غير هذا الموضع يُطلق في القرآن إلا مراداً به اليقين الجازم، الذي لا يخالجه ظن ولا وَهْمٌ ولا شك.
﴿أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ﴾ (ما) موصولة، و (أن) مصدرية، أن الذي غنمتم من شيء، وصيغ الموصول قد تقرر في علم الأصول أنها من صيغ العموم (١)؛ لأن الموصول يعم كل ما تشمله صلته،
_________
(١) مضى عند تفسير الآية (١٣١) من سورة الأنعام.


الصفحة التالية
Icon