ذِكْرُ مُحْتَوَيَاتِ الأَشْرِطَةِ الَّتِي أَمْكَنَ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا:
إن مجموعَ ما بِأَيْدِينَا من هذهِ الأشرطةِ المتعلقةِ بالتفسيرِ يبلغُ ستةً وسبعينَ شريطًا مُوَزَّعَةً على خمسِ سورٍ من القرآنِ الكريمِ هي: (البقرة، الأنعام، الأعراف، الأنفال، التوبة) وإليك عرضًا لمحتوياتِها تَفْصِيلاً:
أَوَّلاً: من سورةِ البقرةِ: وهي ثلاثةُ أشرطةٍ:
الشريطُ رقمُ [١] فَسَّرَ فيه الآياتِ: (٤٥) _ (٥٣).
الشريطُ رقمُ [٢] فَسَّرَ فيه الآياتِ: (٥٤) _ (٥٩)، (٦٧) _ (٦٩).
الشريطُ رقمُ [٣] فَسَّرَ فيه الآياتِ: (٦٩) _ (٧٩).
الراءِ (١). أما على قراءةِ عبدِ اللَّهِ ابنِ مسعودٍ: (وحرَّفوا له بنين وبنات) فهذه قراءةٌ شاذةٌ (٢).
ومعنى هذه الآيةِ الكريمةِ: أن الله (جل وعلا) لَمَّا بَيَّنَ غرائبَ صنعِه وعجائبَه الدالةَ على أنه الربُّ وحدَه، المعبودُ وحدَه، كما في الآياتِ الماضيةِ، كقولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الأنعام: آية ٩٥]، وكقولِه: ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ [الأنعام: آية ٩٨]، وكقولِه: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا﴾ [الأنعام: آية ٩٧] وقولِه: ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا﴾ [الأنعام: آية ٩٩] إلى آخرِ الآياتِ، بين الله فيها كمالَ قدرتِه وغرائبَ صنعِه وعجائبَه الدالةَ على أنه الربُّ وحدَه، المعبودُ وحدَه، فقال في هذه الآيةِ كأنه يقول: مع ما أَبْدَيْتُ لِخَلْقِي من آياتي الدالةِ على عَظَمَتِي وَجَلاَلِي، وأني الربُّ المعبودُ،
_________
(١) انظر: المبسوط لابن مهران ص ٢٠٠.
(٢) هذه القراءة إنما تُنسب لابن عمر، وابن عباس (رضي الله عنهما). كما في البحر المحيط (٤/ ١٩٤)، والدر المصون (٥/ ٨٧)، وفي المحتسب (١/ ٢٢٤): (عمر، وابن عباس). وابن عمر يُشدّد الراء، وخففها ابن عباس.
أما القراءة المنسوبة لابن مسعود (رضي الله عنه)، فهي في قوله: (وخلقهم) حيث قرأها بإسكان اللام (وخَلْقَهم). والظاهر أنه معطوف على الجن. أي: وجعلوا خلقهم الذي ينحتونه أصنامًا شركاء لله. انظر: المحتسب (١/ ٢٢٤)، البحر المحيط (٤/ ١٩٤)، الدر المصون (٥/ ٨٦)، وقد استشكل مؤلفه نسبة هذه القراءة لمصحف ابن مسعود، ومعلوم أن المصاحف آنذاك لم تكن مشكولة ولا منقوطة. فالله - تعالى - أعلم.
والحاصل أن خالق السماوات والأرض يقول في كتابه المحفوظ الذي تولى حفظه بنفسه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾ [الحجر: آية ٩] يقول مخاطباً لجميع الخلائق ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [الأعراف: آية ٣] يعني: اتبعوا ما أنزله الله على لسان هذا النبي الكريم سيد الخلق -صلوات الله وسلامه عليه- وخاتم الأنبياء، الذي جاء بالحنيفية البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء﴾ الأولياء في لغة العرب: جمع ولي، وقد تقرر في فن التصريف: أن (الفعيل) إذا كان وصفاً اطرد جمعه جمع تكسير على (فُعَلاءْ) إلا إذا كان معتل اللام أو مُضَعَّفاً فإنه يَطَّرِد جمعه جمع تكسير على (أَفْعِلاء) كتقي وأتقياء، وشقي وأشقياء، وسخي وأسخياء، وولي وأولياء، كما هنا (١). والولي في لغة العرب: هو كل مَنِ انْعَقَدَ بَيْنَك وبَيْنَهُ سَبَبٌ يجعلك تواليه ويواليك (٢)؛ ولذا كان الله ولي المؤمنين، والمؤمنون أولياء الله ﴿الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [البقرة: آية ٢٥٧] ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)﴾ [يونس: آية ٦٢] لأنهم يوالونه بالطاعة، وهو يواليهم بالنصرة والثواب الجزيل، وإصلاح الدنيا والآخرة.
وهؤلاء الذين يتخذون أولياء كالذين يتخذون الشياطين أولياء فيتبعون قانون الشيطان وتشريع الشيطان، وكالذين يتخذون بعض رؤساء الكفرة الضُلاَّل أولياء فيتبعون تشاريعهم، ويحلون حلالهم،
_________
(١) انظر: التوضيح والتكميل (٢/ ٤٠٤ - ٤٠٥).
(٢) مضى عند تفسير الآية (٥١) من سورة الأنعام.
ولا يقول: هذا فعل الله وأنت بريء، لا وكلا، بل يسارع كل المسارعة في ضربك وقذفك والانتقام منك مصرحًا بأن هذا فعلك!! وانقطاعه قريب.
وأما المشكلة القوية فهي مشكلة المعتزلة الذين يزعمون أن العبد يخلق أعمال نفسه بلا تأثير لقدرة الله فيها. وسنبين لكم إن شاء الله الجواب عنها موضحًا من كتاب الله:
اعلموا أولاً أنّا لو فرضنا رجلاً يعتنق هذا المذهب ورجلاً من أهل السنة يتناظران، فقال معتنق هذا المذهب: إن كانت ذنوبي التي أؤاخذ عليها بمشيئة الله، ولست مستقلاً بمشيئتي، فمن أي وجه هو يشاء الذنب فيعذبني أنا عليه؟ وأنا غير مستقل المشيئة، إذ لو كنت مستقل المشيئة لما فعلت إلا ما يرضيه، وقد كتب على البعيد قبل وجوده أنه يرتكب هذا الكفر وهذا الذنب، ولا بد أن يرتكبه؛ لأن علم الله لا يتغير، وما سبق في علمه الأزلي لا بد أن يقع؛ لأن علمه لا يستحيل جهلاً. فيقول: إذا كان الله قدّر عليه - عياذًا بالله - أنه يكفره ويعصيه، ولا قدرة له على التخلص من قدر الله، فبأي ذنب يُؤخذ؟ وأي استقلال له في فعله حتى يؤخذ عليه؟! هذه حجته وأقصى شبهته.
فيقول له السُّنّي: جميع الأسباب التي أعطى الله للمهتدين الذين اهتدوا بسببها أعطاكها جميعها، إلا شيئًا واحدًا هو الذي حصل به الفرق، لا حجة لك فيه ألبتة على ربك، فإن هؤلاء الذين اهتدوا، وأطاعوا الله، ودخلوا الجنة، جميع أسباب الهدى التي اهتدوا بها كما أعطاهم الله أعطاك، فالعيون التي أصابوا بها آيات الله، واستدلوا بها على قدرته وعظمته، وأنه الرب المعبود وحده أعطاك عينين مثلها،
رضي الله عنه وأرضاه.
قال بعض العلماء: من قتل قتيلاً له سلبه مطلقاً.
وقال بعضهم: لا يكون له سلبه إلا بتنفيذ الإمام. وتوسط قوم فقالوا مذهباً ثالثاً، قالوا: إن كان السلب قليلاً استحقه دون تنفيذ الإمام، وإن كان كثيراً توقف على تنفيذ الإمام، واستدلوا لهذا بما جاء في رواية صحيحة في السنن وغيرها أن مددياً من حمير كان مع خالد بن الوليد يقاتل يوم مؤتة، وإذا رجل عظيم من الروم يقتل المسلمين، فجلس له المددي الحميري وراء صخرة حتى مضى عليه فعقر به فرسه وعلاه بالسيف فقتله وأخذ سلاحه. وكان سلاحه كله مذهّباً، وكان ثميناً جدّاً، فلما جاء خالد بن الوليد (رضي الله عنه) أرسل إليه وأخذه منه، وسمعها عوف بن مالك (رضي الله عنه) فقال لخالد: لأعرفنكها عند رَسُول الله ﷺ ثم لما جاء قصّ الخبر على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «مَا لَكَ لاَ تُعْطِيهِ سَلَبَهُ؟ أَعْطِهِ سَلَبَهُ». ثم لما قال ذلك قال له عوف بن مالك: يا خالد، أما قلت لك: إني مُعَرِّفكَها عند رَسُول الله؟ فسمعها ﷺ فأغضبته وقال: «أَلاَ تَتْرُكُونَ لِي أَصْحَابِي؟ لا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِد» (١). قالوا: هذا يدل على أنه إن كان كثيراً لا يعطي؛ لأنه لما سأل خالداً قال: «لِمَ لا تعطيه؟» قال: استكثرته يا رَسُول الله؛ لأنه مالٌ كثيرٌ جدّاً؛ لأن سلاح الرجل فيه ذَهَبٌ كَثِيرٌ وسِلاَحُهُ كله مذهّب.
_________
(١) مسلم، كتاب الجهاد، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، حديث رقم: (١٧٥٣) (٣/ ١٣٧٣).


الصفحة التالية
Icon