١ - قمتُ باستخراجِ نسخةٍ مسجلةٍ تحوي جميعَ محتوياتِ النسخِ التي تَوَفَّرَتْ لَدَيَّ.
٢ - بعد أن تَمَّ تفريغُ محتوياتِ الأشرطةِ قُمْتُ بمراجعتِها، وذلك بالمقابلةِ بين المكتوبِ على الورقِ وبين التسجيلِ الصوتيِّ، وذلك للتأكدِ من سلامةِ النصِّ الْمُثْبَتِ. وقد الْتَزَمْتُ أن لا تَقِلَّ هذه المقابلةُ عن مرتين في كُلِّ شَرِيطٍ.
ثَانِيًا: ما يتعلقُ بالتوثيقِ والعَزْوِ:
١ - قمتُ بترقيمِ الآياتِ القرآنيةِ، وتخريجِ الأحاديثِ والآثارِ من مَصَادِرِهَا، وكذلك الشواهدُ الشعريةُ.
٢ - عَمَلْتُ على ذِكْرِ مصادرِ المادةِ العلميةِ التي يذكرُها الشيخُ (رحمه الله) من قراءاتٍ، وتصريفٍ، وبلاغةٍ، وإعرابٍ، وأحكامٍ، وقواعدَ، وغير ذلك مما تجدُه في حاشيةِ الكتابِ.
٣ - عَرَّفْتُ ببعضِ المصطلحاتِ القليلةِ التداولِ، وبعضِ الكلماتِ الغامضةِ.
ثَالِثًا: ما يتعلقُ بمنهجِ الكتابةِ والتوثيقِ:
١ - إذا كان الحديثُ في الصحيحين أو أحدُهما اكْتَفَيْتُ بِالْعَزْوِ إليهما أو إلى أحدهما في حالِ التفردِ.
٢ - عندَ ذِكْرِ مصادرِ القراءاتِ أو الشواهدِ أو القواعدِ أو المسائلِ العلميةِ فإني أَكْتَفِي - غالبًا - بذكرِ مصدرٍ واحدٍ أو اثنين أو ثلاثة دونَ التوسعِ في هذا البابِ.
والرسلُ (صلواتُ الله وسلامُه عليهم) - مع ما أَعْطَاهُمُ اللَّهُ من الفضلِ والمكانةِ والعلمِ - دَلَّتْ آياتٌ كثيرةٌ أنهم لا يعلمونَ إلا ما عَلَّمَهُمْ خالقُهم جل وعلا.
هذا سيدُ الخلقِ (صلواتُ الله وسلامُه عليه)، الذي فَضَّلَهُ اللَّهُ في الأرضِ والسماءِ على جميعِ الخلقِ - نبيُّنا محمدٌ - ﷺ -؛ لأنكم تعرفونَ في قصةِ الإسراءِ والمعراجِ الثابتةِ بالأحاديثِ الصحيحةِ التي لا كلامَ فيها، أنه لَمَّا ارْتَفَعَ (صلواتُ الله وسلامُه [عليه]) (١) إلى السماءِ، واخترقَ السبعَ الطباقَ، بَلَغَ مَبْلَغًا لم يَبْلُغْهُ رسولٌ من الأنبياءِ، فظهرت مكانتُه على الجميعِ في العالمِ العلويِّ. وَلَمَّا نَزَلَ إلى الأرضِ (صلواتُ الله وسلامُه عليه) صَلَّى بهم، فكان هو الإمامَ الأعظمَ، بإشارةٍ من جبريلَ (صلواتُ اللَّهِ على الجميعِ) - قد رُمِيَتْ أَحَبُّ زوجاتِه إليه بأعظمِ فريةٍ، رَمَوْهَا بالفاحشةِ مع صفوانَ بنِ المعطلِ، وهو (صلواتُ الله وسلامُه عليه) يَغْدُو الْمَلَكُ ويروحُ عليه بالوحيِ، فَلَمَّا رَمَوْهَا كان (صلواتُ الله وسلامُه عليه) لا يَدْرِي أَحَقٌّ ما قالوا عنها أَمْ لاَ؟؟ حتى هَجَوْهَا، وكان يقولُ: «كَيْفَ تِيْكُمْ؟» قالت: فقدتُ من رسولِ اللَّهِ - ﷺ - العطفَ الذي كنتُ أَجِدُهُ منه إذا مَرِضْتُ. وكان يقولُ لها: «يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ». لا يدري عن الحقيقة حتى أخبرَه المحيطُ عِلْمُهُ بكلِّ شيءٍ - رَبُّ السماواتِ والأرضِ - وقال له: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦)﴾ [النور: آية ٢٦] وَصَرَّحَ بأن المقالةَ التي قِيلَتْ عليهم إفكٌ وَزُورٌ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ
_________
(١) زيادة يقتضيها الكلام.
وابن [عامر] (١) موصولة، فلم يُحتج إلى الفاء. وهذا معنى قوله جل وعلا: ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (٣)﴾.
والرب: هو السيد المدبر للشؤون، وربنا: هو خالقنا وسيدنا والمدبر لشؤوننا، الذي لا نستغني عنه، وكل من يدبر الشؤون ويدبر الأمور ويسوسها تسميه العرب (ربّاً) فيقولون: مَنْ رَبُّ هذا البلد؟ يعني: من هو السيد الذي يسوس أموره ويدَبِّرها، وهذا معروف في كلام العرب (٢)، ومنه قول عَلْقَمَة بْن عَبَدة التميمي، وهو عربي قُح جاهلي (٣):

وكُنْتَ امرأً أفْضَتْ إليكَ ربَابَتي وقَبْلكَ رَبَّتني فَضِعْتُ رُبُوبُ
فسمى الساسة الذين كانوا يسوسونه: (ربوباً) جمع (رب) وأصله من: (ربَّه يربُّه) إذا أصلحه وساس شؤونه، ومنه بهذا المعنى: (الربيبة) وهي بنت امرأة الرجل؛ لأن زوج أُمها في الغالب يسوسها ويدبر شؤونها، وقد يكون بعضكم قرأ في السيرة أن النبي ﷺ في غزوة حُنَيْن لما صَلَّى الصبح وانْحَدَر في وادي حنين في غَلَس ظلام الصبح بعد الصلاة، وكان مالك بن عوف النَّصْرِي جمع له هوازن في مضيق وادي حنين، فدخل المسلمون فيهم في غَلَس ظلام الصبح، فشدوا عليهم شَدَّة رجل واحد، فصارت الرِّمَاح والنِّبَال كأنها مطر تزعزعه الريح، ووقع بالمسلمين ما ذكر الله في قوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
_________
(١) راجع التعليق في الحاشية قبل السابقة.
(٢) مضى عند تفسير الآية (٤٥) من سورة الأنعام.
(٣) السابق.
غاية الإنصاف والعدالة؛ وفي هذه الآيات بيَّن أنه طبع على قلب هذا الإنسان، قال في بعض الآيات: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ﴾ [البقرة: آية ٧] ﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [الأعراف: آية ١٠٠] ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الكهف: آية ٥٧] ومن جُعل على قلبه الطبع والختم، وجُعل في عينه الغشاوة، وفي أذنه الوقر، فهذا في حكم العاجز، فعلى هذا يكون في هذه الآيات شبهة للجبرية، فنحن نقول: إن القرآن العظيم بيّن أن هذا الطبع وهذا الختم والإزاغة النهائية عن الحق لا يأتي الإنسان إلا بسبب ذنب من ذنوبه، فهو جزاء وفاق على بعض الذنوب، وذلك ما دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كثيرة أن الله (جل وعلا) يُسَبِّبُ للإنسان الضَّلالة بِسَبَبِ ارتكاب الذنوب كما يسبب له الهدى بسبب الطاعات، فالعبد إذا سارع إلى الكفر، وتكذيب الرسل، وإلى ما يُسخط الله عاقبه الله بأن زاده ضلالاً فوق ضلاله، وظلامًا على ظلامه، وجاءه هذا الطبع بسبب كفره وبغيه وتمرده على الله.
وقد بيّن (جل وعلا) هذا في آيات كثيرة كقوله: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: آية ١٥٥] (الباء) في قوله: ﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ سببية، فبيّن أن هذا الطبع بسبب كفرهم الذي سارعوا إليه، وكقوله جل وعلا: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [المنافقون: آية ٣] وكقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: آية ٥] ما أزاغها بالطبع والختم حتى بادروا إلى الذنوب والكفر فعاقبهم الله وجزاهم جزاء وفاقًا، وكقوله: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ [البقرة: آية ١٠] وكقوله: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)﴾
أما إذا كان يقاتل على الفيلة (١) كما كانت الأعاجم تقاتل فلم يختلف اثنان من العلماء أن الفِيلَ لا يقسم له شيء إذا قاتل عليه صاحبه. قالوا: ليس كالبعير؛ لأن البعير حيوان يُسَابَقُ عليه ويجوز المسابقة عليه بالسبق، وهو إعطاء العِوَضِ لمَنْ غَلَبَ، كمَا في حديث: «لاَ سَبَقَ إِلاَّ فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» (٢). أما الفيل فلم يقل أحد من العلماء: إنه يستحق نصيباً إذا قوتل عليه، أما كونه يسابق عليه فقد قاله بعض العلماء، وهو مَبْنِيٌّ عَلَى الخِلاف في قاعدة أصولية معروفة، وهي: هل إذا جاءت عن الله (جل وعلا) أو عن رسوله ﷺ نصوص عامة هل تدخل فيها الصور النادرة أو لا تدخل (٣)؟ قال بعض العلماء: تدخل الصور النادرة. وقال بعض العلماء: لا تدخل الصور النادرة. وهذه القاعدة الأصولية تحتها فروع اختلف فيها العلماء، من هذه الفروع: مَنْ خَرَجَ منه المَنِيُّ بغير لذة، كالذي ينزل في ماء حار فينزل منه المَنِي، أو تلدغه عقرب في ذكره فينزل منه المَنِي، أو تهزّه دابَّة فينزل منه المني، فنزول المني من غير لذة كبرى صورة نادرة، فعلى أن الصور النادرة تدخل في عمومات النصوص يدخل في عموم قوله: «إنَّمَا المَاءُ مِنَ
_________
(١) انظر: الأضواء (٢/ ٤٠٤).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٢٥٦، ٣٥٨، ٣٨٥، ٤٢٥، ٤٧٤). وأبو داود في الجهاد، باب في السبق، حديث رقم: (٢٥٥٧) (٧/ ٢٤١). والترمذي في الجهاد، باب ما جاء في الرهان والسبق، حديث رقم (١٧٠٠) (٤/ ٢٠٥). والنسائي في الكبرى، كتاب الخيل، باب السبق، حديث رقم: (٤٤٢٦) (٣/ ٤١). وابن ماجه في الجهاد، باب السبق والرهان، حديث رقم: (٢٨٧٨) (٢/ ٩٦٠).
(٣) انظر: البحر المحيط للزركشي (٣/ ٥٥)، نثر الورود (١/ ٢٤٥).


الصفحة التالية
Icon