٣ - أَثْبَتُّ كلامَ الشيخِ بِنَصِّهِ من غيرِ تَصَرُّفٍ إلا ما تَقْتَضِيهِ صناعةُ الإعرابِ، وفي هذه الحالاتِ على الوجهِ الصحيحِ من غيرِ إشارةٍ إلى ذلك. وفي حالِ وجودِ انقطاعٍ في التسجيلِ أو مسحٍ في الشريطِ أو لفظةٍ غيرِ واضحةٍ فإني أضعُ مكانَ ذلك ما يُتِمُّ به المعنى من كلامِ الشيخِ في موضعٍ آخَرَ - إن وُجِدَ - وإلا كَمَّلْتُهُ بما يتناسبُ مع السياقِ، وأجعلُ ذلك بين مَعْقُوفَتَيْنِ []، وهكذا فيما يقعُ من سَبْقِ اللسانِ، ثم أُنَبِّهُ إلى ذلك في الحاشيةِ.
٤ - في بعضِ الأحيانِ يذكرُ الشيخُ (رحمه الله) كلمةً أو أكثرَ ثم يستدركُ فيذكرُ كلامًا آخَرَ، وفي هذه الحالةِ أَتْرُكُ الكلامَ الذي أَعْرَضَ عنه الشيخُ، وأُثْبِتُ كلامَ الشيخِ بعدَ الاستدراكِ. كما أن الشيخَ (رحمه الله) قد يُكَرِّرُ الجملةَ لِيَفْهَمَ السامعُ مُرَادَهُ أو يعيدها بعد الفراغِ منها تأكيدًا لمضمونها في ذهنِ المستمعِ، وهذا أمرٌ يحتاج إليه الْمُلْقِي، لَكِنْ إن وَقَعَ في المادةِ المكتوبةِ فإنه يُخِلُّ بتتابعِ الكلامِ وَتَرَابُطِ أجزائِه؛ ولذا فإني - غَالِبًا - أحذفُ الجملةَ المكررةَ التي لا تحملُ أَيَّ فائدةٍ زائدةٍ من جهةِ المعنى ولا أُشِيرُ لذلك.
٥ - يُوجَدُ في آخِرِ كُلِّ دَرْسٍ من دروسِ سورةِ البقرةِ سؤالاتٌ مُوَجَّهَةٌ من الشيخِ عطيةَ لشيخِه الأمينِ (رحمه الله)، وهي تتصلُ ببعضِ المواضعِ من الآياتِ الْمُفَسَّرَةِ في الدرسِ نفسِه، ثم يجيبُ الشيخُ عنها. وقد قُمْتُ بِوَضْعِهَا في مَوَاطِنِهَا التي تتصلُ بها (في الهامشِ) مع الإحالةِ عند مَوْطِنِهَا من المتنِ على الهامشِ، وقد أَثْبَتُّ جوابَ الشيخِ بِنَصِّهِ، أما السؤالُ فقد
عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [النور: آية ١١].
وَلَمَّا قالت لها أُمُّهَا - لَمَّا نَزَلَتْ براءتُها في بيتِ أبي بكرٍ -: قُومِي إليه فَاحْمَدَيْهِ. قالت (رضي الله عنها): وَاللَّهِ لاَ أحمدُه اليومَ، ولا أحمدُ اليومَ إِلاَّ اللَّهَ؛ لأنه هو الذي بَرَّأَنِي، فهو (صلواتُ الله وسلامُه عليه) لَمْ يُبَرِّئْنِي (١).
وَهَذَا نَبِيُّ اللَّهِ إبراهيمُ - وهو هو - مع ما أعطاه اللَّهُ من المكانةِ ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [البقرة: آية ١٢٤]، وَشَهِدَ له اللَّهُ الشهاداتِ العظيمةَ ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)﴾ [النجم: آية ٣٧]، ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: آية ١٢٤] وَقِيلَ للنبيِّ - وهو هو - (صلواتُ الله وسلامُه عليه): ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: آية ١٢٣] ذَبَحَ عِجْلَهُ، وَتَعِبَ هو وامرأتُه في إنضاجِ العجلِ، ولم يَدْرِ أن ضيفَه ملائكةٌ حتى قدَّم العجلَ المُنْضَجَ إلى الملائكةِ، وَلَمَّا رآهم لا يَمُدُّونَ إليه أيديَهم نَكِرَهمْ وَخَافَ منهم، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [هود: آية ٧٠]، وصرَّح لهم في سورةِ الْحِجْرِ بأنه خائفٌ منهم ﴿فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢)﴾ [الحجر: آية ٥٢] أي: خائفونَ منكم، ولم يَدْرِ حقيقةَ الأمرِ حتى سألهم: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (٥٨)﴾ (٢) [الحجر: الآيتان ٥٧، ٥٨] (... ) (٣).
_________
(١) مضى عند تفسير الآية (٥٩) من سورة الأنعام.
(٢) في هذا الموضع وقع انقطاع في التسجيل.
(٣) سيأتي نحو هذا البسط عند تفسير الآية (٣٨) من سورة الأعراف، والآية (٣٠) من سورة التوبة.
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: آية ٢٥] وكان صفوان بن أمية من أعْدَى خلق الله لِرَسُولِ الله؛ لأن النبي قتل يوم بدر أبَاه أميّة، وأخاه علي بن أمية، وقتل يوم أُحد عَمَّه أُبيّ بن خلف، فهو من أشد الناس عداوة لرسول الله، وهو الذي استعار منه النبي سلاحاً لغزوة حنين، وأمهله مدة ينظر فيها في أمره، وكان حاضراً لِمَا وقع للمسلمين، فقال رجل معه (ابن أخيه من الأم، أو قريب له): «الآن بطل سحر محمد» فعند ذلك قال صفوان: «اسكت فُضَّ فُوك، والله لأن يربني رجل من قريش أحب إليَّ من أن يربني رجل من هوازن» (١) وهو محل الشاهد؛ لأنه لو كانت غلبت هوازن النبي -لا قدر الله- لكانت السيادة لهم فحكموا قريشاً، فهو يقول: أن يربني ابن عمي محمد ﷺ يسودني فيسوسني أحب إلى من أن يسودني رجل من هوازن، والشاهد: أن قوله: «لأن يربني» لأن يسودني فيسوسني ويدبر أمري، هذا أصل معنى الرب، ورب السماوات والأرض: هو خالق هذا الكون وسيده ومدبر شؤونه الذي لا يستغنى عنه طرفة عين.
[٢/أ] / قوله تعالى: ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (٤) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٥) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ (٧)﴾ [الأعراف: الآيات ٤ - ٧].
لما أمر الله (جل وعلا) جميع خَلْقِهِ أن يتبعوا ما أُنْزِلَ إليهم من
_________
(١) مضى تخريجه عند تفسير الآية (٤٥) من سورة الأنعام.
[التوبة: الآيتان ١٢٤، ١٢٥] والآيات القرآنية كثيرة في هذا، ومن هنالك يُعلم أن الحسنات وطاعة الله أن الله يجعل ذلك سببًا لهدى عبده، كما أن السيئات والمبادرة إلى ما لا يرضيه تكون سببًا للرّين على القلوب والطبع عليها كما قال: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: آية ١٤] وقال في الهدى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ [محمد: آية ١٧] ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: آية ٦٩] وأمثال ذلك من الآيات.
قوله جل وعلا: ﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ [الأعراف: آية ١٠٠] قوله تعالى: ﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ هنا أن موضع هذا الطبع القلوب، والقلوب: جمع القلب، وهو عضو من الإنسان معروف على هيئة شكل حب الصنوبر وهو معروف، وكون الطبع محله على القلوب يبين أن مركز العقل هو القلب كما أشرنا له مرارًا (١)، وإنما بينّا هذا مرارًا لئلا تبقى الناس مصدّقة للكفرة الملاحدة الإفرنج، مكذّبة لله ولرسوله، فالقرآن العظيم في عشرات الآيات، والسنة النبوية في أحاديث صحيحة كلها مطبقة على أن مركز العقل هو قلب الإنسان لا دماغه؛ لأن الله يقول: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [الحج: آية ٤٦] فصرح بأن العقل والإدراك بالقلوب لا بالأدمغة، ثم قال: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: آية ٤٦] ولو كان الإدراك ليس في القلب الذي في الصدر لما كان له عمى ولا إبصار، ولم يقل الله يومًا ما: ولكن تعمى الأدمغة التي في الرؤوس، لم يقل هذا أبدًا، وإنما قال: {وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي
_________
(١) مضى عند تفسير الآية (٧٥) من سورة البقرة.
المَاءِ» (١) فيجب عليه الغُسل، وعلى أنها لا تدخل في النصوص فلا يجب عليه الغسل. قالوا: ومن فروع هذه القاعدة المسابقة بِسَبَقٍ على الفيل؛ لأن الفيل ذو خفٍّ، فَرِجْلُ الفِيلِ كَرِجْلِ البَعِيرِ، فهو مِنْ ذَوَاتِ الخِفَافِ.
والفيل صورة نَادِرَة قد لا تَخْطُرُ في ذِهْنِ المُتَكَلِّم، فعلى أن الصور النادرة تدخل في عمومات النصوص تجوز المسابقة على الفيل، وعلى هذا القول لا يبعد أن يكون فيه مثل القول الذي في الإبل، وعلى أن الصور النادرة لا تدخل في النصوص لا تجوز المسابقة على الفيل. هذا من حكم الغنائم.
وقد ذكرنا الآن أن الغَنِيمَةَ إن كانت أرضاً فللإمام فيها ثلاثة أقوال (٢)، وإن كانت غير أرض فإنها تقسم على التحقيق بين المجاهدين، وأن التحقيق أن للإمام أن ينفّل منها في الصور التي ذكرنا (٣) كتنفيله الربع في البدء، والثلث في العودة، وتنفيل بعض الرجال لشدة شكيمته وغَنَائه، وتنفيله من أَخَذَ السَّلْبَ كما قال: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ» (٤). واختلاف العلماء فيه هل هو فتوى فيعم، أو حكم فيخص؟ ولأجل هذا اختلفوا في قول النبي ﷺ لهند بِنْت عُتْبَةَ بن رَبِيعَة لما قالت له: أبو سفيان رجل يمسك ولا يعطيني ما يكفيني وولدي. فقال: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ» (٥).
_________
(١) مسلم في الحيض، باب إنما الماء من الماء. حديث رقم: (٣٤٣) (١/ ٢٦٩).
(٢) انظر: الأضواء (٢/ ٣٦٧).
(٣) انظر: الأضواء (٢/ ٣٨٥).
(٤) تقدم تخريجه قريباً.
(٥) البخاري في البيوع، باب «من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع.. » حديث رقم: (٢٢١١) (٤/ ٤٠٥). وأخرجه في مواضع أخرى، أُنظر الأحاديث: (٢٤٦٠، ٣٨٢٥، ٥٣٥٩، ٥٣٦٤، ٥٣٧٠، ٦٦٤١، ٧١٦١، ٧١٨٠). ومسلم في الأقضية، باب قضية هند. حديث رقم: (١٧١٤) (٣/ ١٣٣٨).