وأما الرواية بجهل جِلَّة الصحابة رضي الله عنهم بمعنى بعض الألفاظ فلا نثِق بصحتها (١)، لكونها خلافَ صريحِ العقل وتصريح القرآن، كما قال تعالى:
﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ (٢).
﴿فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ معناه هاهنا: وُضِّحت، فإن هذا كان اعتراضهم. وأما كونها تفصيلاً لإجمالٍ فذلك لا قدح فيه. قال تعالى:
﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ (٣).
وقوله: ﴿أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ أي بعيد عن العقل أن يأتي الرسول بكلام لا يفهمه قومه. فأيّ فائدة لهذا الكلام؟ ولذلك قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ (٤).
........................
تذكرة:
روَوا أنّ أبا بكر رضي الله عنه لم يَعلم معنى ﴿وأبَّاً﴾ (٥)، أفأظهر عدم علمه بعد وفاة النبي - ﷺ -؟ وأن عمر رضي الله عنه بقي في زمان النبي - ﷺ - غيرَ عالم بمعنى ﴿تَخَوُّفٍ﴾ (٦). هيهات! كانت السورتان تقرآن كثيراً، وهم في صحبة النبي - ﷺ -، ولم يسألوه، ولا سمعوا أحداً يسأله!
"لا يصح أن كلمةً من القرآن خفِيَ معناها على علماء الصحابة، لا سيّما القرشيون".
(٢) سورة فصلت، الآية: ٤٤.
(٣) سورة هود، الآية: ١.
(٤) سورة إبراهيم، الآية: ٤.
(٥) في قوله تعالى في سورة عبس، الآية: ٣١ ﴿وفاكهةً وأبَّاً﴾ وقد ردّ المؤلف هذه الرواية ردّاً مفصلاً في تفسير سورة عبس، انظر الفصل العاشر.
(٦) في قوله تعالى في سورة النحل، الآية: ٤٧ ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.