(٦) أحوَى
إذا استُعمِل للنبات فهو ما كان منه شديدَ الخضرة مُلتفًّا، زادَ خضرةً لالتفافه (١). قال جابر بن حَرِيش، وهو جاهلي (٢)، (حماسة، صفحة ٥٤) (٣):

(١) ومنه: احواوت الأرض: اخضّرت. وجَميم أحوى: يضرب إلى السواد من شدة خضرته. وقال معظم المفسرين -وتبعهم اللغويون- إن "أحوى" في قوله تعالى: ﴿فجعله غثاءً أحوى﴾ معناه: أسود، من القِدَم، لما ذهبوا إلى أن الآية مثل للحياة الدنيا في زوالها وفنائها كما في سورة الكهف وغيرها. ولكنّ السياق هنا مختلف تماماً، فهو يدلّ هنا على أن أمر الله تعالى سيبلغ غايته وكماله، ولكن بالتدرج الذي قدره الله له، وفي ذلك تسلية للنبي - ﷺ -. انظر "تدبر قرآن" ٩: ٣١٣. ولم يأت أحد منهم بشاهد على تفسيره للأحوى من كلام العرب، إلا أنهم لما رأوا الشواهد متظافرة على النقيض زعم بعضهم أن "أحوى" حال من المرعى، وفي الآية تقديم وتأخير. قال ابن الأنباري (الأضداد: ٣٥٣): "فيه تفسيران: أحدهما: والذي أخرج المرعى أحوى -أي أخضر غضاً- فجعله بعد خضرته غثاء، أي يابساً. والتفسير الآخر: والذي أخرج المرعى، فجعله يابساً أسود، على غير معنى تقديم ولا تأخير. أجازهما كليهما الفرّاء". انظر معاني الفراء ٣: ٢٥٦. وردّ على القول بالتقديم والتأخير الطبري (٣٠: ١٥٣). وممن أجاز القولين: الزمخشري (٧٣٨: ٤). ومن ثم جعلت الكلمة من الأضداد فقال ابن الأنباري: "يقال: "أحوى" للأخضر من النبات الطريّ الريّان من الماء، ويقال: "أحوى" للنبات الذي اسودّ وجفَّ" أفليس غريباً بعد ذلك أن يندر معنى البلى والقِدَم والاحتراق في جميع مشتقات هذه المادة، ووجوه استعمالها في كلامهم؟ والدافع إلى القول بالتقديم والتأخير في الآية الكريمة إشكال كلمة "الغثاء". وسيأتي تحقيقها في ص ٢٢٩.
(٢) شاعر من قبيلة طيئ. ولم أقف في ترجمته على أكثر من هذا. والدليل على ما استنبطه المؤلف من كونه جاهلياً أنه ذكر في شعره حرب الفساد التي وقعت بين طيئ في الجاهلية واستمرت خمساً وعشرين سنة، كما قال التبريزي في شرحه ٢: ٧٤.
(٣) سقط القوسان وما بينهما من المطبوعة. وقد أحال المؤلف هنا إلى نسخته من حماسة أبي تمام، وليست بين أيدينا.


الصفحة التالية
Icon