فيذهب إلى خلاف الجهة المقصودة.
٣ - ثم سوء فهم الكلمة ليس بأمر هين، فإنه يتجاوز إلى إساءة فهم الكلام وكل ما يدل عليه من العلوم والحكم، فإن أجزاء الكلام يبين بعضها بعضاً للزوم التوافق بينها.
٤ - وربما ترى أن الخطأ في معنى كلمة واحدة يصرف عن تأويل السورة بأسرها، فيتوجه المرء إلى سمت كلما مر فيه بعد عن الفهم.
٥ - وهكذا ترى الخطأ في حد كلمة واحدة أنشأ مذهباً باطلاً وأضل به قوماً عظيماً وجعل الملة بدداً (١).
٦ - معظم القرآن الحكمة وهي الأصل، ولا سبيل إلى فهمها من القرآن دون الاطلاع على معاني كلماتها المفردة ودون العلم بصحيح علوم اللسان من البيان...
ثم أشار إلى أن "كتب اللغة والغريب لا تعطيك حدود الكلمات حداً تاماً". وقد فصل القول في ذلك مقدمة تفسيره، إذ تكلم على مصادره اللسانية، فنص أولاً على أن المعاني الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها قد حفظها الله تعالى بالسنة المتواترة المتوارثة من خلف إلى سلف، ثم قال: "فأما في سائر الألفاظ وأساليب حقيقتها ومجازها فالمأخذ فيه كلام العرب القديم والقرآن نفسه. وأما كتب اللغة فمقصرة فإنها كثيراً ما لا تأتي بحد تام، ولا تميز بين العربي القح والمولد، ولا تهديك إلى جرثومة المعنى، فلا يدرى ما الأصل وما الفرع، وما الحقيقة وما المجاز. "فمن لم يمارس كلام العرب، واقتصر على كتب اللغة ربما لم يهتد لفهم بعض المعاني من كتاب الله" (٢).

(١) وأشار في موضع آخر إلى أن بعض خلافهم في العقائد كان مرده عدم الوقوف على استعمال اللفظ على وجوه كثيرة، ومن ثم تشتد الحاجة إلى معوفة معاني المفردات وأنحائها المختلفة. انظر كتاب التكميل في أصول التأويل: ٣٦.
(٢) فاتحة نظام القرآن: ١٢ ولا يعزبن عنك أن هذا الكلام الذي نقلته كلام إمام من أئمة اللغة قضى أكثر حياته عاكفاً على تدبر كتاب الله وتمرس بكلام العرب وتذوق بيانهم =


الصفحة التالية
Icon