تبين من ذلك أن أهمية المعرفة الدقيقة لمعاني الكلمات في فهم الكلام وقصور كتب اللغة والغريب في إعطاء هذه المعرفة في تفسير بعض الألفاظ هو الذي حفز الفراهي إلى إفراد كتاب في هذا الموضوع.
وأمر آخر دعاه إلى تأليف هذا الكتاب، وذلك أن طريقته في تفسيره (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان) أنه يقسم آيات السورة إلى مجموعات، ثم يتناول كل مجموعة، ويفسر أولاً مفردات ألفاظها. فلو تكلم في هذا الفصل على الألفاظ المشكلة على الوجه الذي تقتضيه من التفصيل والاستقصاء والاحتجاج وتكثير الشواهد لخرج فيه عن الحد الذي رسمه له. ومن ثم رأى أن يجمعها في كتاب مفرد، ليجمل القول فيها في التفسير، ويحيل الراغب في التفصيل على ذلك الكتاب. وفي ذلك يقول في خطبة كتاب المفردات:
"أما بعد، فهذا كتاب في مفردات القرآن، جعلته مما نحول إليه في كتاب نظام القرآن، لكيلا نحتاج إلى تكرار بحث المفردات إلا في مواضع يسيرة يكون فيها الصحيح غير المشهور، فنذكر بقدر ما تطمئن به القلوب السليمة".
وقد بين المؤلف موضوع كتاب المفردات والجوانب التي كان يريد تناولها في تفسير ألفاظ القرآن في فصل كتبه في الورقة الأولى من المسودة:
"في كتاب المفردات يبحث عن الألفاظ المفردة، ويكشف عن معانيها بحيث أن تتضح لها الحدود واللوازم، وما يتصل بها، وما يفترق عنها، وما

= وتوغل في معرفة أسرار العربية وغوامضها، ولا يلقي الكلام على عواهنه، فلا تحملنه على الزراية بكتب اللغة وانتبه لقوله "بعض المعاني من كتاب الله". ويشبه ما قاله الإمام الفراهي هنا، كلام إمام آخر من أئمة اللغة في عصرنا، وهو العلامة محمود شاكر رحمه الله، فانظر إلى قوله في تفسير كلمة (المصمئل) في بيت ابن أخت تأبط شراً (خبر ما نابنا مصمئل): "أصحاب اللغة يقولون... فلو اقتصرت على نص اللغة هنا في تفسير هذا اللفظ لفقد الشعر معناه". وقال في تفسير (الحي) بعدما نقل ما ورد في كتب اللغة: "هذا الذي قالوه إبهام وقصور في العبارة". انظر نمط صعب ونمط مخيف: ١٤٥، ٢٢٤.


الصفحة التالية
Icon