قد أغسف النازح المجهول مغسفه في ظل أخضر يدعو هامه البوم (١)
للجنّ بالليل في حافاتها زجل كما تناوح يوم الرّيح عيشوم (٢)
دوّية ودجى ليل كأنهما يم تراطن في حافاته الروم (٣)
وقال أيضا:
وكم عرّست بعد السرى من معرّس به من كلام الجن أصواب سامر (٤)
وقال:
ورمل عزيف الجن في عقباته هزيز كتضراب المغنّين بالطبل (٥)
وإذا كان القوم يعتقدون كلام الجن ومخاطباتهم، ويحكون عنهم، وذلك القدر المحكي لا يزيد أمره على فصاحة العرب، صح ما وصف عندهم من عجزهم عنه كعجز الإنس.
ويبين ذلك من القرآن: أن الله تعالى حكى عن الجن ما تفاوضوا فيه من القرآن فقال: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) [الأحقاف: ٢٩]، إلى آخر ما حكى عنهم فيما يتلوه.
(١) أعسف: أسير على غير هداية. النازح: البعيد. والأخضر هنا: الأسود، والمراد به الليل. وفي الديوان:» أغضف» أي أسود، والهام: ذكر البوم، وأنثاه الصدى.
(٢) حافاتها: جوانبها. زجل: صوت. عيشوم: من ضروب النبت يتخشخش إذا هبت عليه الريح.
(٣) الدوية: الفلاة، واليم: البحر. الدجى: الليل. والرطانة: كلام العجم والروم وما ليس بعربي من اللغات. حافاته: جوانبه. شبه البرية وما تراكم عليها من سواد الليل بالبحر وأمواجه.
(٤) ديوانه ص ٢٩٢ والحيوان ٦/ ١٧٦، والتعريس: النزول آخر الليل للنوم والاستراحة.
سامر: الذين يتحدثون بالليل.
(٥) ديوانه ص ٤٨٨، والحيوان ٦/ ١٧٦. وفي الديوان: «في عقداته هدوءا». وعزيف الجن: صوت يسمع بين الرمال. وعقدات الرمل: ما انعقد منه. هدوءا: أي بعد ساعة من الليل. هزيز: صوت، يعني صوت الرحى وما أشبهها.


الصفحة التالية
Icon