فإذا ثبت أنه وصف كلامهم، ووافق ما يعتقدونه من نقل خطابهم، صح أن يوصف الشيء المألوف بأنه ينحط عن درجة القرآن في الفصاحة.
وهذان الجوابان أسدّ عندي من جواب بعض المتكلمين عنه، بأن عجز الإنس عن القرآن يثبت له حكم الإعجاز، فلا يعتبر غيره. ألا ترى أنه لو عرفنا من طريق المشاهدة عجز الجن عنه، فقال لنا قائل: فدلّوا على أن الملائكة تعجز عن الإتيان بمثله، لم يكن لنا في الجواب غير هذه الطريقة التي قد بيناها.
وإنما ضعّفنا هذا الجواب، لأن الذي حكي وذكر عجز الجن والإنس عن الإتيان بمثله، فيجب أن نعلم عجز الجن عنه، كما علمنا عجز الإنس عنه ولو كان وصف عجز الملائكة عنه، لوجب أن نعرف ذلك أيضا بطريقه.
فإن قيل: أنتم قد انتهيتم إلى ذكر الإعجاز في التفاصيل، وهذا الفصل إنما يدل على الإعجاز في الجملة؟.
قيل: هذا كما أنه يدل على الجملة، فإنه يدل على التفصيل أيضا، فصح أن يلحق هذا القبيل، كما كان يصح أن يلحق بباب الجمل.
٦ - ومعنى سادس: وهو أن ينقسم عليه الخطاب، ومن البسط والاقتصار، والجمع والتفريق، والاستعارة والتصريح، والتجوّز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم، موجود في القرآن. وكل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم، في الفصاحة والإبداع والبلاغة وقد ضمنا بيان ذلك [من] بعد، لأن الوجه هاهنا ذكر المقدّمات، دون البسط والتفصيل.
٧ - ومعنى سابع: وهو أن المعاني التي تضمنها، في أصل وضع الشريعة والأحكام، والاحتجاجات في أصل الدين، الردّ على الملحدين على تلك الألفاظ البديعة، وموافقة بعضها بعضا في اللطف والبراعة، مما


الصفحة التالية
Icon