قال ابن عرفة: كان الشيخ ابن عبد السلام رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يقول في هذه الآية الكريمة: إنه لم يتقدم في الآية (التي قبلها) أنه قال لهم هذا لأن المتقدم إنما هو ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمآء﴾ إلى قوله ﴿تعلمونَ﴾ قال الشيخ ابن عبد السلام: ينبغي عندي أن يوقف عند قوله ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ﴾ أي (أَلَمْ) أَقُل لَّكُمْ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
ثم يبتدئ: ﴿إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض﴾؟
قلت: والظاهر عندي أن الوقف عند قوله: ﴿غَيْبَ السماوات والأرض﴾ لأنّ ﴿غَيْبَ السماوات والأرض﴾، لا يعلمونه هم فكأنه قال: إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ويبتدئ ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ لأن هذا لا يتسلط عليه القول إذ لم يقله لهم أصلا.
قوله تعالى: ﴿مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾
قال ابن عرفة: عادتهم يوردون هنا سؤالا مذكورا في جنس الائتلاف وهو: لِمَ جَاءَ هذا هكذا (مع) صلاحية الأربعة أوجه إمّا حَذْف كان من الفعلين، أو ذكرهما فيهما معا أو ذكرها مع الأول دون الثاني، أو العكس. فلم اختص اختص بها الثاني دون الأول؟
قال: وتقدم لنا الجواب عنه بأنه قصد بالعطف التسوية بين علم الله تعالى الظاهر والخفي كما في قوله تعالى ﴿مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ وعلم الأمر الظاهري في الحال أقرب من علم ما كان ماضيا في الباطن وجهل الأمر الماضي الخفيّ أشدّ من جهل الأمر الحالي الخفي (فقرن) علمه الظّاهر الّّذي في أعلى درجات (الجلاء) والوضوح بعلمه الأمر الخفي الباطن الذي في أنهى درجات الخفاء إشارة إلى استواء علمه فيهما، وأنه ليس بينهما عندي في ذلك تفاوت بوجه فلذلك قرنت كان ب «تَكْتُمُونَ» دون «تُبْدُونَ».
قيل لابن عرفة: ولو (قصد) التّسوية لبدأ «بِمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» لأن معرفة الخفي يستلزم (معرفة) الجلي، فلا تكون للعطف فائدة إلا التسوية وأما الآن فالعطف تأسيس وفائدة ظاهرة.
قال ابن عرفة: جاء هذا على الأصل فلا سؤال فيه.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمَ﴾