عصوا الرسل إما بالتكذيب فقط أو بالقتل مع أن الثابت أن بعضهم أسلم وأطاع، وما قلناه نحن يقتضي أن بعضهم كذب، وبعضهم قتل، وبعضهم لم يكذب ولم يقتل، فإن قلت: لم كذبوا بلفظ الماضي، ويقتلون بلفظ المضارع مع أن الجميع واقع فيما مضى؟ فالجواب من وجوه:
أحدها: قال ابن عرفة: عادتهم يجيبون بأن سبب التكذيب ماض، فعبر عنه بالفعل الماضي؛ لأن سبب التكذيب في المستقبل اعتبارا بسببه، وأجيب أيضا بأن القتل أمر فعل حربي، فأتي فيه بالمضارع تنزيلا للواقع منزلة [من*] أتى بالمحسوس للتصوير، والتكذيب به أمر اعتقادي غير [حربي*] فلذلك عبر عنه بالماضي.
قوله تعالى: ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ... (٧١)﴾
قال ابن عرفة: تكون بالرفع بأن مخففة من الثقيلة، وبان ناصبة وقراءة الرفع أبلغ؛ لأنه يكون مؤكدا بأن.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ).
لما اشتملت على عصيان بعضهم بالتكذيب، وعصيان بعضهم بقتل الرسل وبث الوعيد على أشد الوصفين وهو القتل؛ لأن الإبصار أمر محسوس فيتعلق بالمحسوس بخلاف التكذيب فإنه أمر معنوي فالمناسب له صفة العلم.
قوله تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ... (٧٥)﴾
قال ابن عرفة: الظاهر أن هذا داخل تحت الحصر، وأصله المسيح ابن مريم أمه صديقة فهو من عطف المفردات، ويحتمل أن يكون من عطف الجمل والظاهر حصرها في الصداقة.
قال ابن عرفة: و (صِدِّيقَةٌ) مبالغة من الصدق أو من التصديق، ومنه سمي أبو بكر الصديق لتصديقه، وهذه الصفة لمريم رد على من قال إنها نبية.
ابن عرفة: قال بعضهم: من جهة المعنى أنهم كانوا ينسبونها للنبي فبرأها ولدها بكلامه في المهد فظهر صدقها.
قوله تعالى: (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ).
ابن عرفة: هذا استطراد؛ لأنهم إنما تكلموا في عيسى ونسبوه إلى الألوهية فلم يتكلموا في مريم بشيء، فإنه ذكره استطرادا وسبب ذكرها قيام عيسى عليها، أي كما


الصفحة التالية
Icon