قال ابن عرفة: حتى أبلغ في الغاية من إلى، قال: وهذا تهكم وإخبار بأن إيمانهم به محال؛ لأنهم إذا أوتوا مثل ما أوتي رسل الله فلم يؤمنوا بالرسل وإنما آمنوا بما أوتوا إلا بما جاء به الرسول؛ فكأنهم يقولون: لن نؤمن أبدا.
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ... (١٢٥)﴾
قال ابن عرفة: المراد الغاية الأخصية لَا الأعمية المذكورة أي (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) والإسلام هنا بمعنى الإيمان إذا لوَ لم يكن بمعناه للزم عليه وجود الإيمان دون هداية، واللازم باطل فالملزوم مثله بيان والملازمة؛ إذ الآية دلت على أن [كلما وجدت إرادة الهداية وجد الإسلام*]، والإسلام راجع إلى الأعمال الصالحة، والإيمان راجع إلى الاعتقاد القلبي وهو مجرد التصديق فلو لم يكن هناك شيء لكانت الهداية مستلزمة لوجود الإسلام الذي هو من فعل الجوارح فيكون الإيمان وجد قبلها دون هداية.
قال: والجواب أن الهداية مستلزمة لشرح الصدر للإسلام كأنها مستلزمة للإسلام يكون محصول الإيمان قبل الإسلام.
قوله تعالى: (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا).
قال ابن عرفة: كان بعض الشيوخ يقول: إن الضيق راجع إلى أمر محسوس وهو أن المظروف فيه أكثر من الظرف حسا، والحرج راجع إلى أمر معنوي وهو نفي القابلية عن اتساع الظرف للمظروف إما بعدم خلق الهداية في القلب؛ وإما بخلق الضد فيه فلا يقبل الهداية، قال: وكان مثل الضيق الحسي بيت صغير أردت أن تدخل فيه جملا فلم يسعه، وكذلك دخول الجمل في سم الخياط فإنه يضيق عنه، ومثل الحرج المعنوي ببيت كبير يسع الجمل حسا، وعدم هدايته لَا يسمع بمعنى أنه لَا يستطيع يقاوم فيه؛ فكذلك قلب من أضله الله.
قوله تعالى: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).
عبر هنا بالإيمان وهو أعم، وقال قبله (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) فأتى هذا كله على الأصل مثل استعمال الأخص وهو الأعم في الثبوت والأَعم في النفي، (فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ).
قوله تعالى: ﴿وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا... (١٢٦)﴾
الإشارة إلى مطلق حكم الله الأعم في إضلال من أضل الله وهداية من اهتدى.


الصفحة التالية
Icon