إن قلت: لم خص آل فرعون بالذكر دون غيرهم؟ قلنا: تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنهم كانوا كثيرا ما يؤذون موسى عليه الصلاة والسلام فهم أشد أذية من قريش لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن غيرهم.
قوله تعالى: (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ).
فيه أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، بقوله تعالى: (بِذُنُوبِهِمْ) وفي ذلك أربعة أقوال: قيل: إنهم مخاطبون بالفروع، وقيل: لَا، وقيل: [مخاطبون فيما عدا الجهاد*]، وقيل: [الْفَرْقُ بَيْنَ النَّوَاهِي، فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا دُونَ الْأَوَامِرِ*] (١).
قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ... (٥٥)﴾
هذا مثل ما تقدم عن ابن هشام في أن شرط الجزاء أن يكون أعم من المبتدأ.
قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ... (٥٧)﴾
أي فرق بهم وأبعدهم عن مقاتلتك من خلفهم، والمراد: وأبعدهم مسافتك ومخالفتك، فالإبعاد إما حسي وعليه جملة المفسرين، أو معنوي فإن كان الأولى دليل على أن قتل الأسارى هو المطلوب، وإن كان الثاني كان بارز في تخيير في الوجوه الخمسة، إما الأمر، وإما القتل، والمن والاسترقاق، أو ضرب الجزية.
قوله تعالى: (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).
إشارة إلى تقدم الأدلة الدالة على الإيمان فكأن الإيمان كان حاصلا، قلت: وقيد بعضهم عن ابن عرفة هنا ما نصه قوله تعالى: (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) ليعذبهم من خلفهم عن مسافتك ومقاتلتك، قال: فعلى هذا القسم هذه الآية تخصيص لما ورد من التخيير بين القتل والأسر والفداء والمن وغير ذلك، فما يراد صلاحا وسدادا أو يتعين القتل في حق هؤلاء؛ لأنه هو البعد عن مقاتلته من سواهم، وقيل: معناه فأبعدهم عن الكفر وعدم الإيمان بك فلا تخصيص على هذه، ويكون التخيير بين ما تقدم باقيا، ويكون أمر الفعل الأصلح، فإن قلت: أن لَا تدخل إلا على غير المحقق؛ فهلا قيل: فإذا تثقفنّهم؛ لأنه محقق الوقوع، ابن عرفة: فعادتهم يجيبون بأن تأكيد الفعل بالنون الشديدة اعتناء عن ذلك وغيره؛ كالمحقق لأنه المشكوك فيه لَا يؤكد وأيضا فترتيب الأمر بالتشديد عليه بغيره محقق الوقوع، قلت: وأجاب بعض الطلبة إنما هو الغلبة لا النفاق لأنهم في الممكن أن يمتربوا ويؤخذوا.
قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ... (٦٠)﴾

(١) قال القرافي في الفروق:
"فِي كَوْنِ الْكُفَّارِ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مُخَاطَبُونَ، لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ، الْفَرْقُ بَيْنَ النَّوَاهِي فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا دُونَ الْأَوَامِرِ فَلَا يُخَاطَبُونَ بِهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَبِقَوَاعِدِ الدِّينِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْفُرُوعِ". اهـ (الفروق. ١/ ٢١٨).


الصفحة التالية
Icon