لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٌ، وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا - قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: بَيْنَهُمَا - سَطْرًا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ، مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟
قَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ يَدْعُو بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ يَقُولُ: "ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا" وَيُنْزَلُ عَلَيْهِ الْآيَاتُ، فَيَقُولُ: "ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا" وَيُنْزَلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ، فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا"، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا أُنْزِلَ بِالْمَدِينَةِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ، فَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهًة بِقِصَّتِهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، وَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرًا: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ*].
قلت: في الحديث دليل ظاهر على بيان ترتيب الآي والسور.
الزمخشري: وعن أبي وهب: إنما توهموا ذلك لأن في الأنفال ذكر اليهود وفي براءة نبذ اليهود، الطيبي: الأول إشارة إلى قوله (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)، والثاني: ما ذكره في آية السيف.
(١)
الزمخشري: فإن قلت: لم علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين.
الطيبي: كان المناسب ترتيب المعاهدة والبراءة كليهما إما إلى المؤمنين معا، أو إلى ذاته عز وجل معا، قال: ما سبب [الترتيب*]، [ولماذا*] [خص*] البراءة بالله ورسوله مع أن المعاهدة مع المسلمين، وحق البراءة أن تنسب إلى المعاهدة؛ لأن الله تعالى أذن في المعاهدة فكأنه خاص وبريء، وأجاب الزمخشري بأن ذلك إعلام بحسب الوقوع وترتيب الوجوه، أذن الله لرسوله والمؤمنين أولا بالمعاهدة فعاهدوا ثم لما نقض المشركون العهد خبره الله إعلاما آخر، وقال: اعلموا أن الله ووسوله بريء منهم فتبرأوا منهم أنتم أيضا، ويمكن أن يقال: المعاهدة لم تكن إلا بإذن الله وإباحته، فلما نبذ المشركون العهد نسب الله تعالى البراءة إلى نفسه وضم معه ذكر الرسول غضبا عليهم وتهديدا شديدا فيطلق عليه قول الزمخشري أولا أذن الله، وثانيا: أوجب الله النية]، وقال صاحب الانتصاف (١): فيه شيء وذلك أنه لا يستند العهد إلى الله تعالى في مقام توهم فيه شائبة النقص إجلالا وتعظيما لكبريائه، ألا ترى وصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمير السرايا، فإذا نزلت [بحصن فطلبوا*] النزول على حكم الله

(١) هكذا نص ابن المنير - رحمه الله -:
"وراء ما ذكره سر آخر هو المرعي، والله أعلم. وذلك أن نسبة العهد إلى الله ورسوله في مقام نسب إليه النبذ من المشركين، لا تحسن شرعا. ألا ترى إلى وصية رسول الله ﷺ لأمراء السرايا حيث يقول لهم: وإذا نزلت بحصن فطلبوا النزول على حكم الله فأنزلهم على حكمك، فإنك لا تدرى أصادفت حكم الله فيهم أولا؟ وإن طلبوا ذمة الله فأنزلهم على ذمتك، فلأن تخفر ذمتك خير من أن تخفر ذمة الله. فانظر إلى أمره عليه الصلاة والسلام بتوقير ذمة الله مخافة أن تخفر وإن كان لم يحصل بعد ذلك الأمر المتوقع، فتوقير عهد الله وقد تحقق من المشركين النكث، وقد تبرأ من الله ورسوله بأن لا ينسب العهد المنبوذ إلى الله أحرى وأجدر، فلذلك نسب العهد إلى المسلمين دون البراءة منه، والله أعلم» " اهـ (الانتصاف. ٢/ ٢٤٢).


الصفحة التالية
Icon