وفرق بين قولك: هذا افتراء على فلان، أو هذا افتراء من غير فلان، فمعنى الآية أنه افتراء على الله، أي ليس المعنى أنه افتراء غير الله؛ فإِذا كان المعنى ما كان لأن يفتريه غير الله فمفهومه أن غير الله نقوله من غير افتراء، وهذا ممكن، وإنما المعنى ما كان لأن يفتري من غير أمر الله فمفهومه أنه يكون مفترى بأمر الله، وهذا المفهوم غير موجود لاستلزامه التناقض؛ لأنه من حيث كونه مفترى فهو لذنب على الله فكيف يكون بأمر الله. فيكون كما قالوا في قوله تعالى: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا).
قوله تعالى: (وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ).
ابن عرفة: التفضيل إما راجع للكتب السابقة؛ فيرجع التصديق إلى ما أخبر به من الأمور المستقبلة كأشراط الساعة وغيرها، وإما أن يراد بالتفضيل أنه معجزة تتضمن الأحكام الاعتقادية فتوافق الكتب السالفة في أحكامها الاعتقادية لَا الشرعية؛ لأن الشرائع مختلفة وأحكام الاعتقاد متحدة.
قوله تعالى: (لَا رَيبَ فِيهِ).
أي عند من أنصف ونظر النظر السديد فأدرك أنه لَا ريب فيه.
قال أبو حيان: والاستدراك هنا في لكن على أصلها؛ لأنها بين متناقضين.
ابن عرفة: فإن قلت: بل هي بين متماثلين؛ لأنه إذا لم يكن مفترًى فهو مصدق لما بين يديه، فالجواب: أن الثناء باعتبار نفس الفعلين لَا بين الجملتين، كقولك: ما تحرك زيد لكن سكن.
قوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).
وفي البقرة (مِن مِثلِهِ) فالمثلية هنا راجعة للقرآن، وهناك للشخص الآتي.
قال ابن عطية: السورة مأخوذة من سورة النبأ وهي في القرآن القطعة التي لها مبتدأ وبها ختم ابن عرفة، وكذلك الكلمة؛ والصواب: أنها القطعة التي لَا يصدق اسمها إلا على جملتها، ابن عرفة: والإعجاز في الكتب السالفة وقع بجملة كل كتاب منها، والإعجاز في القرآن وقع بكل آية منه.
ابن عرفة: وذكر ابن عطية هنا أن الإعجاز وقع بالكلام القديم الأزلي وهو باطل؛ لأن المعجزة من شروطها الحدوث. فكيف يقول: وقع الإعجاز بالمعاني من الغيب