تصنعونه بأملاككم ولا شعورها به قبل وقوعكم، ونحن من صفتنا الكرم حذرناكم من عقابنا قبل وقوعه واسيناكم بجميل [إحساننا*] على قيامكم بأحكامنا مع اتصافنا بالعدل، ولا استحقاق لكم علينا خلقنا من شئنا منكم للخير، وخلقنا من شئنا منكم للشر، وإياكم والعبث علينا في أحكامنا فيكم بها عدل، وإياكم وطلب التعليل وسوء الأدب (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)، انتهى.
قيل لابن عرفة: كيف هذا التحليل؟ وهل كانت محرمة [أولًا*]؟ فقال إن قلت: إن الأشياء كانت على الحصر فظاهر، وإن قلنا إنها على الأرجح، فالسؤال وارد؛ لأنه لا فائدة فيه، قيل به: وكذلك إن كانت على الحصر؛ لأن هذه السورة مدنية من آخر ما نزل، وقد كانت هذه الأشياء حلال في أول الإسلام، فأجاب بوجهين:
الأول: إشارة إلى ما كانت عليه الجاهلية من تحريم السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي، فاقتضت هذه الآية تحليل ذلك كله للمسلمين.
الثاني: في ذكر التحليل ليرتب عليه أشباه هذه الأمور المخرجة منه.
قوله تعالى: (بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ).
جعله الزمخشري من إضافة الأعم من وجه إلى وجه من وجه، مثل: عندي خاتم حديد، وكان بعضهم يقول: الصواب أنه من إضافة الأعم مطلقا إلى الأعم من وجه، والأول أجود من الثاني؛ لأن هذا قليل الوقوع بخلاف الأول.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ مَا يُرِيدُ).
قال ابن عرفة: كان بعضهم يقول: هذه الآية دليل على إبطال العمل بالقياس؛ لأن الإرادة من شأنها التفريق بين المتماثلين، والجمع بين المختلفين، وإنما الذكر من خصائصها جواز ذلك لَا لزومه.
قال ابن عرفة مرة أخرى: وانظر هل فيها دليل على أنه لَا يأمر إلا بما أراد؟ وأجيب: بأن المعنى أن الله يحكم ما يريد الحكم به لَا ما يريده في نفسه.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ... (٢)﴾
قال ابن عرفة: إن قلت: لم كرر النداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهلا اكتفى بالأول فيقال: [ولا تحلوا شعائر الله*]؟ فالجواب: أنه إذا قلت: قام زيد وعمرو توهم تبعية أحد الرجلين للآخر في القيام، فإذا أردت نفي هذا التوهم، قلت: قام زيد وعمرو فأفاد