قوله تعالى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢)﴾
قال ابن عرفة: الرمي والطرح والإلقاء بمعنى واحد [ومن لغات القرآن الإلقاء*]؛ لأنه أبلغ في الدلالة على القصد، قال: وحمل الخبر على المبتدأ يكون على سبيل [المواطأة*]، مثل الإنسان عالم، ويكون على سبيل [التشبيه*] مثل: أبو يوسف، أبو حنيفة، والآية محتملة للثلاثة، قيل لابن عرفة: ليس فيها على سبيل المواطأة؛ لأن العصا ليست ثعبانا موجه، فقال: تدعى المواطأة باعتبار العصاة الملقاة [وهي ثعبان*].
قوله تعالى: ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ... (٣٣)﴾
عبر بالنزع دون الإخراج، إشارة إلى أنه ينزل نفسه منزلة من فارق يده لشدة مخالفة [لونها للوْنِهِ*].
قوله تعالى: (فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ).
قال: [وذَكَر في الأول ما لَمْ يذْكرْ في الثاني وبالعكس، فيحتملُ كونُهُ منْ حذْف التَّقابُلِ*]، أي ["ألقَى عَصاهُ فإذا هيَ ثعبانٌ مبينٌ لَلنَّاظرينَ، ونزَعَ يدَهُ فإذا هي بيضاءُ للناظرينَ مبينةٌ"*]، ومما يؤكد هذا أن المنطقيين ذكروا أنه لَا بد من الفاعل، [**والقائل لكرسي مثل خشبة فاعل، ونجاره فاعل]، وقوله تعالى: (فَإِذَا هِيَ)، صفة للفاعل، وقوله تعالى: (لِلنَّاظِرِينَ) صفة للفاعل الثاني؛ لأن الثعبان جرم كبير يدركه البصر؛ فلذلك قرن الأول بقوله تعالى: (مُبِينٌ)، والثاني بالنظر، والمعجزة أمر محسوس خارجي للعادة، والسحر أمر وهم محسوس، وقوله تعالى: (لِلنَّاظِرِينَ)، يشمل الحسي والمعنوي القلبي، فيكون من استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه معا.
قوله تعالى: ﴿قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤)﴾
نص هذه المقالة لفرعون وحده، وقال في الأعراف (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) [نسبها*] للملأ دون فرعون، فأجاب أبو جعفر ابن الزبير: بأن المقابلة في تلك الآية وقعت بين موسى مع فرعون وقومه، وهنا وقعت بين موسى عليه السلام وفرعون فقط، وقال: [هنا*] [يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِ*]، وأسقطها في الأعراف، فأجاب: بأن القائل هنا فرعون، [وهو أحنق عليه من الملأ بجمعهم وأعظمهم بغضا له وكراهة لما جاء به موسى فأكد بقوله "بسحره"*] (١)، وهناك قالها الملأ من القوم؛ فلذلك لم يبالغوا في قولهم.
قوله تعالى: ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (٣٥)﴾
"مراده ابن عرفة: يستحيل في قومه صالح في مقالته"، والتصويب من (ملاك التأويل. ١/ ٢١٥).