فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ)، [إذ*] في ذكر بيتها ترتيب ليوسف عليه الصلاة والسلام، وتعريف بأنه كان في حكمها مع ذلك فامتنع منها بخلاف ما لو راودته في موضع هو متمكن من الهروب.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ... (٣٥)﴾
قال ابن عرفة: كان بعضهم يقدر وجه الترتيب في هذه المعطوفات ثلاثة أمور: وهو الظاهر والأظهر، والسبب والمسبب، [والتصديق والتصور*]، فقدم الإسلام ظهوره وخفاء الإيمان، وقدم الإيمان على القنوت؛ لأنه أظهر من القنوت؛ لأن القانت هو القائم بالطاعة الدائم عليها، فيعرف إيمان الشخص بمجرد المخالطة، ولا يعلم أنه قانت إلا بالمداومة على مخالطته، ولأن القنوت مطلق الطاعة، والإسلام شرط فيها، ورتبة الشرط أن يكون متقدما على المشروط، وقدم (وَالْقَانِتِينَ) على (الصَّادِقِينَ). (وَالصَّابِرِينَ)؛ لأن الصادق هو الذي يصدق في نيته وقوله وعمله، والصابر الذي يصبر على فعل الطاعة وعلى المعاصي، فحصول وصف القنوت لهم مع الإسلام سبب في اتصافهم بالصدق والصبر لاجتناب المنهيات؛ لأنه منع نفسه من شهواتها، وكلها متعلقات الطاعة فإثباتها بعدها شبه التفسير بهذا الإجمال، ثم قال تعالى (وَالْخَاشِعِينَ)، إشارة إلى من حصلت له هذه الأوصاف لَا ينبغي له أن يثق بعمله، بل لَا يزال خائفا خاشعا؛ لأن هؤلاء على فعلهم هذا كله مهما مالوا عليه ازداد خوفهم وخشوعهم، وأخّر المتصدقين إما لأن ما قبلها أوصاف قاصرة، وهي وصف بطاعة متعدية للغير، وإما حديث أول الطهارة من صحيح مسلم عن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ من ["وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ"*]، فهو كالدليل على صحة ما تقدم من الطاعات، ورتبة الدليل أن يكون بعد المدلول، وأخر الصيام؛ لأنه أمر عدمي راجع لترك الأكل والاستمتاع، وجميع ما قبله أمر وجودية، والوجود أشرف من العدم، وقدم الصوم على حفظ الفرج؛ لأن الصوم غير دائم في زمنها، وهو النهار فقط، وحفظ الفرج ترك دائم في كل الأزمان، فالصوم أقرب إلى الوجود، وحفظ الفروج أبعد.
قلت: وتقدم عن ابن عرفة أنه إنما أخرهما عن المتصدقين؛ لأن الصدقة مظنة، ومن حصل له الغَناء هو متمكن من شهوة بطنه وفرجه، فأفاد أنهم مع ذلك يتركون شهوة بطونهم بالصوم، وشهوة فروجهم يحفظها عن المحارم، فجاء هذا شبه