المقتضية للترتيب ولو كان بالواو ما قال فيه إشكال، قال: والجواب: أن يجعل النسيان هنا بمعنى الترك، ويكون النسيان في قوله (إِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) على حقيقته.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ... (٦٣)﴾
أن أذكره قد يكون النسيان من الله تعالى، وقد يكون من الشيطان؟ فنسيه هنا للشيطان ظنا منه، وإلا فيكون الله تعالى أنساه ذلك لما أراده من إطلاعه على الخضر.
قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا... (٦٥)﴾
قال المفسرون: المراد بالرحمة النبوة؛ فيكون الخضر نبيا.
قال ابن عرفة: وكان بعضهم يقول: الرحمة على إبقائها وقدم ذكرها احتراسا لما يأتي من قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ) وقتله للغلام يوهم اتصافه بالغلظة والجفاء فاحترس من ذلك بأنه متصف بكمال الرحمة، وما فعل ذلك إلا بأمر من الله إما بوحي إن كان نبيا على لسان الملك، أو بأنها أمر من الله تعالى إن كان وليا.
قوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦)﴾
قال ابن عرفة: فيه إشارة إلى أنك كنت غير عالم فعلمت، وكذلك إما كما علمت علمني؛ فلذلك لم يقل (مِمَّا عُلِّمْتَ)؛ فإن قلت: ما يقبل التعليم العلم الظاهر الذي له أمارات ودلائل، وأما علم الباطن فلا ينحصر ولا يقبل تعليما، ولذلك قال (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)، فالجواب: أن موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظن أنه راجع للعلم الظاهر الذي ينحصر بالأمارات والدلائل، فأسفرت العاقبة أنه من علم الباطن الذي لَا يقبل تعليما، أو يقال: إنه طلب منه أن يعلمه طريق السلوك الموصلة لما وصل هو إليه.
قال ابن عرفة: و (رُشْدًا) لَا يصح أن يكون من باب الأعمال بحيث يطلبه بعلمني، وعلمت أن تكون مفعولا ثانيا لكل واحد منهما؛ لأنك إن علمت فعلمني يجب أن يضمر في الثاني مفعولا ولا يكون إلا منطوقا به لَا مقدرا؛ لأنه يؤدي إلى نصبه العامل للعهد وقطعه عنه، وإن أعلمته للثاني يبقى الموصول بغير عائد فيتعين أن يكون معمولا للأول، ولا تكون المسألة من باب الإعمال.
قوله تعالى: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا... (٧١)﴾


الصفحة التالية
Icon