الدبر هنا، وجمعه في قوله تعالى: (فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)، أنهم تولوا هنا منزلة رجل واحد في النزل فيكون أبلغ، والمراد في تلك توجيه النهي لكل فرد، وأيضا استعمل هنا الأخص في الثبوت، واستعمل هناك الأعم في باب النهي، وهو معنى النفي.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)﴾
هذا من تسمية الشيء بما يدل إليه، لأنهم ليسوا الآن في سعر، بل صائرون إليه، فإِن قلت: هو في استعمال اللفظ الواحد في حقيقته، [ومجازه، وهو في السعر*] حقيقة وفي الضلال مجاز، ولأن كونهم في الضلال باعتبار الحصول الحالي.
حدثني ابن أبي الموالي: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: ["سِتَّةٌ أَلْعَنُهُمْ، لَعَنَهُمُ اللهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابٍ: الزَّائِدُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُتَسَلِّطُ بِالْجَبَرُوتِ يُذِلُّ بِهِ مَنْ أَعَزَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيُعِزُّ بِهِ مَنْ أَذَلَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي، وَالْمُسْتَحِلُّ لِحُرُمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُسْتَحِلُّ مِنْ عِتْرَتِي مَا حَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ"*]، ابن رشد: اللعن هو الطرد والإبعاد من الرحمة، ومن لعنه فقد استوجب النار لبعده من الرحمة، والفيء. [إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ... (٤٩) *] من قرأ بالنصب فنصبه بفعل مضمر، يفسره الظاهر، والآية على هذا حجة على المعتزلة، فإِن أفعالنا شيء فهي مخلوقة لله تعالى لدخولها في عموم كل شيء، قال: ومحتمل أن يكون العامل فيه قدرنا، ويكون خلقناه صفة بشيء، فلا يكون حينئذ دليلا على بطلان قول المعتزلة، قال: ومن قرأ بالرفع فذكر ابن عطية: فيه وجهان:
أحدهما: أن كل شيء مبتدأ وخلقنا وخبره، وعلى هذا يكون حجة على المعتزلة.
والثاني: أن كل شيء مبتدأ وخلقناه صفة بشيء، وبقدر خبر أي كل شيء مخلوق لنا فهو يقدر، وعلى هذا يكون حجة للمعتزلة، وأورد الفخر سؤالا: كيف صح جعل كل شيء مبتدأ وهو نكرة؟ وأجاب: بأن فيه معنى العموم، وقالوا: والنصب في الآية أرجح لأن الرفع يوهم أن يكون خلقناه صفة فيتوهم أن مفهومه أن بعض الأشياء غير مخلوق، ولا مقدر، ابن عطية: قال ابن عباس: إني أجد في كتاب الله قوما (يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِم)، لأنهم كانوا يكذِّبون بالقدر، ويقولون: المرء يخلق أفعاله، وإني لأراهم، فلا أدري لشيء مضى قبلنا، أو شيء بقي، وقال أبو


الصفحة التالية
Icon