الخلق ملك الله تعالى ففيها رد على المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعاله وبالتولد، وأن صنعة النجارة متولدة عن فعل العبد، وفعل العبد مخلوق للعبد.
قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)﴾
الضمير عائد على الأرض، واستثنى بعضهم من هذه الأرواح بأنها باقية بقاء الله عز وجل، وعجْب الذَّنَب لما ورد في الحديث: "إنه يفنى من ابن آدم كل جسده إلا عجْب ذَنَبه"، والذَّنَب وهو قدر مغرس الإبرة، ولهذا يقف بعض الفراعنة، قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ)، ومنها ما يبقى، فإن قلت: لم عبر بـ (مَنْ) وهلا عبر بما فإنها أعم لوقوعها على ما لَا يعقل، فالجواب: أنهم ما خالفوا إلا في بقاء من يعقل، لأن الفلاسفة يقولون: إن علم الإنسان لَا يفنى، وأنه لَا يزال باقيا، فإن قلت: لم عبر بالاسم في قوله تعالى: (فَانٍ)، وبالفعل في قوله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ)، والعكس أولى، فإن البقاء وصف ثابت، والفناء متجدد، فالجواب: أنهم لما خالفوا في الفناء أتى بلفظ الاسم المقتضي للثبوت، والبقاء الثابت لَا يحتاج إلى التغيير فيه بالاسم، وفيه إشارة إلى تصحيح مذهب من يقول إن العرض ما يبقى زمنين، وأنه في كل وقت ينعدم، ويأتي غيره، قال ابن عرفة: المراد البقاء العقلي الذاتي، وهو من خواص القديم، وأما البقاء الشرعي السمعي فيكون من الحوادث كنعيم الجنة، وعذاب أهل النار، فإنه دائم غير منقطع، واعتزال الزمخشري في قوله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، فقال: ومعناه الذي محله الموجودون عن التشبيه بخلقه، وعن أفعالهم، والذي يقال له: ما أجلك وما أكرمك. أو من عنده الجلال والإكرام [للمخلصين*] من عباده، قال ابن عرفة: ونحن نقول مسنده إلى الله تعالى قبحها وحسنها، والجميع حسن عقلا، ولذلك قوله في الصفات.
قوله تعالى: (ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ).
فسره الزمخشري: بثلاثة أوجه:
الأولان: لأن فيه شبه الإضافة إلى الفاعل، والأخير فيه شبه الإضافة إلى المفعول، وعقبه بقوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)، لأن التشبيه على استحضار بقاء الله تعالى واتصافه بالجَلال والإكرام نعمة وتفضيلا، قيل له: وكذلك الفناء لحديث: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، [وَجَنَّةُ*] الْكَافِرِ"، فقال: لَا يحتاج إلى هذا ومناسبتها مع آخر الآية يكفي ويكون في أول الآية وعظ وتخويف، وفي آخرها نعمة وامتنان.
قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ... (٢٩)﴾