إن قلت: ما أفاد مخلدون؟ قلت: لأن صفة ولدان عارضة يسرع زوالها بصيرورتهم رجالا وشيوخا، فأفاد ذلك وصفهم في الخلود في هذا الوصف.
قوله تعالى: ﴿بِأَكْوَابٍ... (١٨)﴾
هو أحسن الأواني، وهو في المشرق كثير يسمونه [القدح*]، والترتيب في هذه المذكورات تدلي، لأن الأكواب فسروها الجرار، فهي أكبر [من*] الأباريق، والأباريق. أكبر من الكؤوس، قال الغزالي في آخر كتابه الإحياء: من يشتهي الولادة في الجنة يولد له، وقال عبد الحق: في العاقبة: يمكن أن تحمل وتلد ويشتد الولد في ساعة واحدة، ولكنهم لَا يشتهون ذلك، انتهى، وهذا أمر توقيفي لَا يصح الخوض فيه إلا بنقل صحيح.
قوله تعالى: ﴿مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠)﴾
إن قلت: هلا قيل: مما يختارون، لأن تفعل يقتضي تكلف الفعل، واختار يقتضي مجرد وقوع الفعل دون تكلف، قلت: المراد لازم التكلف، وهو كون الشيء المختار في أعلى درجات الحسن، فهي دلالة التزام لَا دلالة مطابقة، وعكس الفخر، وليس بصواب، فإِن قلت: لم خص التخيير بالفاكهة، والشهوة بلحم الطير، قلت: لأن ما يتفكه به يكون متنوعا متعددا، فتناسب التخير بخلاف لحم الطير، وأيضا فإن الفواكه قربته منهم، فإنها في الأشجار بين أيديهم، والطير بعيد عنهم، والعادة أن الشيء إذا كان قريبا فإِن الإنسان يسأم منه، وعمل فيتخير فيه بخلاف ما هم بعيد، فإِنه لا يخير فيه بل يشتهيه.
قوله تعالى: ﴿وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)﴾
قرئ (وَحُورٍ عِينٍ) فلعله مراعاة لعين، وإلا فحور جمع [حوراء على وزن حمراء*]، وهو جمع [**على حمى].
قوله تعالى: ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ... (٢٣)﴾
إن قلت: لم أتى هذا على الوجه الأضعف في التشبيه، لأن الأبلغ فيه قولك: أسد، ثم قولك: زيد كالأسد، فالجواب: أنهن لَا يشبهن اللؤلؤ إلا في وجه واحد، وهو صفاؤه وإشراقه، لَا في جميع صفاته، لأن منها كونه دقيق الحلقة، جمادا لا يعقل، وجمع أمثال لجمع الحور.
قوله تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا... (٢٥)﴾