التي نزلت الآية لأجلها، فإن كان إنشاء فقد سماه في القرآن زورا مع أنه ظهار على مقتضى فعل الجاهلية، ويجاب: بأنه يفهم تعلق التكذيب به بوجهين واعتبارين، فالمراد بالظهار في اللغة التحريم المؤبد، وهذا ما يطلقه الأمر بداية التحريم، وفي الشرع التحريم المعلق على إخراج الكفارة، فإِذا قال: أنت عليَّ كظهر أمي، فقصد به التحريم المؤبد، وهو كاذب شرعا، كمن قال في ثوب غيره: بعتك يا فلان هذا الثوب فهو صادق باعتبار اللفظ، والقصد كاذب من جهة المعنى مع إنشاء بلا خلاف، وهذا [محرم*]، قال ابن التلمساني في شرح المعالم: لما قال الفخر: [الأكثرون*] عرفوا الخبر بأنه ما احتمل الصدق والكذب، وأبطله الفخر بأن التصديق والتكذيب هو الإخبار عن كونه صدقا وكذبا فيلزم [الدور*]، وأجاب ابن التلمساني: بأنا لَا نسلم أن الصدق هو الخبر المطابق، بل مطلق المطابقة، وكذلك الكذب فلا يتوقف فيهما عليه، وقال القرافي في [فروقه*]: مما يتوهم أنه إنشاء، وهو خبر قول القائل: أنت عليَّ كظهر أمي، يعتقد الفقهاء أَنَّهُ إنْشَاءٌ لِلظِّهَارِ، [كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ*] إنْشَاءٌ لِلطَّلَاقِ [فَإِنَّ الْبَابَيْنِ فِي الْإِنْشَاءِ سَوَاءٌ*] وليسا سواء، والفرق بينهما [مِنْ وُجُوهٍ*]
أحدهما: أن الخبر محتمل للصدق والكذب، والظهار موصوف بالكذب بالقرآن، بقوله تعالى: (وَزُورًا)، وبقوله تعالى: (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ)، [فَكَذَّبَهُمْ اللَّهُ*]، وبقوله تعالى: (مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ)، والإنشاء للتحريم لَا يكون منكرا بدليل الطلاق.
الثاني: أجمعنا أن الظهار يحرم، وليس للتحريم مُدْرَكٌ إلَّا أَنَّهُ كَذِبٌ، ورد عليه مختصره بأن مدركه تشبيه من يحل وطئه، بمن يحرم، فأتى بحكم يخالف حكم الله تعالى.
الثالث: أن فيه الكفارة التي هي زاجرة ماحية للذنوب، [فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إذَا كَانَ كَذِبًا، ورده مختصره بما تقدم.
الرابع: قوله تعالى: (ذَلِكُم تُوعَظُونَ بِهِ)، وَالْوَعْظُ إنَّمَا يَكُونُ [عَنْ*] الْمُحَرَّمَاتِ، وما ذاك إلا [لِكَوْنِهِ كَذِبًا*]، ورده أيضا المختصر بما سبق، وقال القرافي في الذخيرة: صيغ العقود، والطلاق والعتاق نحو بعت، وأنت طالق، وأنت عليَّ كظهر أمي، أصلها إخبارات ثم نقلت للإنشاء، انتهى، وقوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ)، في [لفظه*] رد على ما قال الزمخشري: إن في التصريح بلفظ (منكم) [توبيخ*] لما عدل عنه في الآية إلى لفظ الغيبة، وإيجاب على البعد من ذكره، وعدم الاتصاف به إذ لو كان في الخطاب [توبيخ*] لما عدل عنه في الآية إلى لفظ الغيبة