دليل على أن هذه الآية ناسخة للأمر بالصدقة، [وليس نسخًا إلى بدل*]، وهي الصلاة لأنهم كانوا مكلفين بها والمراد دوموا إقامة الصلاة.
قوله تعالى: ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤)﴾
الآية رد على الجاحظ القائل: بأن الكذب إنما هو في العمد لقوله (وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، فإن أجاب بأنه تأكيد، قلت: الأصل التأسيس، وقال الشريف الحسني في شرح الآيات البينات، [بأن*] الخطيب لما ذكر تعريفه للخبر بأنه ما احتمل الصدق أو الكذب، وحكى ما أورد عليه من أنه يلزم عليه الدور، لأن الصدق والكذب لَا يعرفان إلا بعد معرفة الخبر، أجاب: بأنهما معلومان بالضرورة، فلا دور فيه، انتهى، ويرد بأن الصدق والكذب أخص من الخبر، فإذا كان الأخص معلوما بالضرورة، كان الأعم معلوما بالضرورة، فما يحتاج إلى تعريف الخبر بوجه.
قوله تعالى: ﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ... (١٦)﴾
يحتج بها من يقول: إن الفاء كالواو، [لا تفيد ترتيبا*]؛ لتقدم صدهم على حلفهم، وهذا إن أريد أنهم صدوا في أنفسهم، ويجيب الآخرون: بأن المراد صدهم غيرهم، وهذا أحد التأويلين الذَين ذكر ابن عطية: أي حلفهم صدوا المسلمين عن قتالهم، والانتصاف منهم.
قوله تعالى: ﴿لَنْ تُغْنِيَ... (١٧)﴾
حجة الزمخشري: في أن لن أبلغ في النفي من لا؛ لأن [الصدَّ سابق على*] الإغناء مطلقا نفيا عاما، فإن قلت: العموم مستفاد من [قولهم]: الأصل [الدلالة*] بالوضع لَا بالقرينة، فإن قلت: لو كانت أبلغ احتيج (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، قلت: الخلود مثبت والإغناء منفي، فإن قلت: نفي الإغناء يستلزم الخلود، قلت: دلالة المطابقة أولى من دلالة الالتزام، فإن قلت: في سورة الكهف (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فجاء المال في الإثبات، وجاء هنا في النفي مجموعا، وتقرر أن الجمع أخص من الإفراد فكان المناسب العكس، وهو استعمال الأعم في النفي، والأخص في الثبوت، فالجواب: أنه نفي لاستلزام الأخص [لَا نفيا*] للأخص، أي إذا ما أغنت عنهم أموالهم فأحرى [أولادهم*].
قوله تعالى: (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).


الصفحة التالية
Icon