قوله تعالى: (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ).
الزمخشري: جعلهم أحسن الحيوان [وأبهاه*]، ومن ذلك أنه خلق منتصبا قائما غير منكب، قال: فإِن قلت: كم من [دميم*] مشوَّه الصورة سمج الخلقة، قلت: لَا سماجة ثَمَّ، ولكن الحسن كغيره على مراتب فهم حسن وأحسن منه، والكل حسن بالنسبة إلى غيرهم من الحيوانات انتهى، يرد عليه هذا الجواب: بأن الدميم القبيح المنظر إن أطلق عليه أنه قبيح فالسؤال وارد، وإن قال: إنه حسن فباطل يصدق نقيضه عليه، وهو قبيح، وإنما الجواب: أن الحسن يطلق باعتبارين:
أحدهما: ضد القبيح، تقول: هو في ذاته حسن، أي ليس بقبيح.
الثاني: باعتبار وروده على وفق المراد، والخيال المتصور في الذهن، فتقول: أحسن فلان صورة أحدب أعرج أحسن، أي أنابها على نحو ما أريد منه فإِتيان الصورة هو أن [يتخيل*] شيئا في ذهنه فيأتي به على نحو ما تخيل وما بذلك عليه.
قوله تعالى: [(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) *]
[هذا*] هو المراد في الآية، أي صوركم على وفق ما أراد منكم، وهو حسن في نوعه، فصور الأعرج مثلا على أحسن صورته في نوعه، والأقطع والأشل كذلك، فإِن قلت: يفوت معنى التفضيل في مزية الإنسان وتفضيله على غيره، والآية خرجت مخرج الامتنان، وهذا المعنى يشترك فيه الإنسان مع غيره؟ قلت: إنما اختص الإنسان بالذكر، لأنه أقرب إلى الفهم، قال تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).
قوله تعالى: (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
كالنتيجة لمن لَا يخالف في المقدمتين، أي كما وافقتم وتحققتم أنه الذي خلقكم فصوركم، فتحققوا أنه يعيدكم بعد الموت، لأن بعض النَّاس أنكروا الإعادة، وفسره الزمخشري وابن عطية: بأن المراد: إليه مرجعكم فيجازيكم بالثواب والعقاب، فعليكم بشكره على نعمه والإيمان به.
قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ... (٤)﴾
لما تقدم أنه خلق السماوات فأتقنها، والإتقان دليل على العلم، فناسب تعقيبه به، وأتى أولا بعلم الذوات ثم بعلم الصفات، وهي القول سره وعلانيته، ثم [بعلم*] المعاني وهو ما في الصدور، وهو الكلام النفسي، وعبر عن الأولين بالفعل، [وفي*] الثالث بالاسم،