أفرد السمع وجمع الأبصار، إما لأن السمع مصدر يقع على القليل والكثير من جنسه فلا يثنى ولا يجمع، وإما لعمومه في جميع الجهات من غير حاجة إلى زيادة معه، لأن الإنسان يسمع كلام من خلفه وفوقه وتحته ويمينه وشماله من غير أن يقبل إلى تلك الجهة، بخلاف البصر لَا يبصر إلا من هو أمامه، ويحتاج في إبصاره من خلفه إلى حالة أخرى، وهي تكلف الانتقال إلى تلك الجهة، أو لأن الغالب [تساويهم*] في السمع وعدم تساويهم في الإبصار، وتكرر ذكر السمع والبصر في القرآن في مواضع في سورة الأنعام، وفي النحل، وفي الإسراء، وفي السجدة في موضعين، وفي الجاثية في غير موضع، فإن قلت: تقديم الأبصار على الأفئدة دليل على أنه سلك في الآية مسلك الترقي، قلت: إنما قدم السمع والبصر عليهما؛ لأنهما مقدمان في الوجود، لأن الأفئدة إنما ذكرت من حيث التعقل بها والتفكر [والتأمل*]، فيسمع ويبصر ولا يعقل شيئا، فإِن قلت: قد ذكر الفخر، والأصوليون أن المحسوسات فرع المعقولات، فلا يبصر الإنسان الشيء أو يسمعه حتى يتعقله، والأصل [تقدمه*] فلم أخره عنه؟ فالجواب: [أن*] المعقولات على قسمين: فالأمر الضروري منها البديهي متقدم على المحسوسات، والنظري منها المحتاج إلى الفكر والتأمل متأخر عن المحسوسات.
قوله تعالى: (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ).
إن أريد العموم في المسلمين والكافرين، فالتقليل على حقيقته، وإن أريد الخصوص بالكفار؛ فالتقليل بمعنى العدم، مثل مررت بأرض قل ما تنبت [البقل*].
قوله تعالى: ﴿ذَرَأَكُمْ... (٢٤)﴾
الذرأ ثاني رتبة عن الخلق.
قوله تعالى: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥)﴾
سماه [وعدًا*] مع أنه وعيد، إما لأنهم يسألون المؤمنين عن الثواب الذي يناله المؤمنون متى يكون، وإما وعد للمؤمنين وتبشير لهم بنصرهم عليهم، أي هذا الذي بشرتم به من نصركم علينا متى هو.
قوله تعالى: ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا... (٢٧)﴾
المراد بالوجوه إما الحقيقة، والمراد أنهم نالهم عذاب حقيقي تغيرت منه وجوههم فقط لمعاينته دون الحلول فيه، وإما مجاز عن [عذابهم كليا*] فيكون العذاب حسيا في جميع أبدانهم، أي لما عاينوه نالهم دخانه [وشرره*]، وغالب