إن قلت: لم نفاه بـ لن، ونفى ملكه [الضر*] بـ لا؟ والجواب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كل وقت يستحضر الموت، ونظره إنما وقته الحالي، وليس له تعلق بالمستقبل بوجه، وملك الضر والرشد مضاف إليه، فنفى بـ لا التي هي غير صريحة في المستقبل، بل قد قيل: إنها [تنفي*] التي هي غير صريحة في الاستقبال، بل قد قيل: إنها تنفي الحال، ولما كان الذي [يجارُ منه هو الله تعالى*]، وكانت [الإجارة*] منسوبة إليه، [في الحال والاستقبال نفاه بـ لن*]، وأجيب أيضا لما كان ملك الضر والرشد مما قد يتوهم نسبته للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد رتبه عليه في الحال، لم يحتج إلى نفي [الإجارة*] من الله تعالى في الحال والاستقبال، نفي باللفظ العام، ولما كان صدور الذنب منه غير واقع في الحال، لم يحتج إلى نفي [الإجارة*] من الله تعالى في الحال، ثم نفى الاستقبال على تقدير فرض وقوعه قبل، وكذلك [بفرض*] وقوعه في الحال.
قوله تعالى: (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا).
النفي الأول تعلق ببني آدم، والثاني بغيرهم؛ أي لن أجد مكان أختفي فيه وألجأ إليه.
قوله تعالى: ﴿إِلَّا بَلَاغًا... (٢٣)﴾
الزمخشري: أي لن أجد من دونه ملجأ إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به، وقيل: لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات، والمعنى: إلا أن أبلغ عن الله، فأقول: قال الله كذا، ناسباً لقوله إليه، وأن أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان، انتهى.
إن قلت: يلزم عطف الشيء على نفسه، كان معناه عنده وتبليغ رسالته، قلت: إنما معناه عنده إلا أن أبلغ عنده بلاغا من الله أو من رسالاته؛ لأن الشرائع التي أمر بتبليغها لنا قسمان، منها ما تلقاه من الله مباشرة، ومنها ما حفظه بواسطة الملك.
قوله (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ... (٢٤).. إن قلت: ما معنى الغاية هنا، وحتى من جهة مخالفة [ما*] بعدها لَا قبلها فيلزم انقطاع الخلود برؤيتهم ما يوعدون مع أنه دائم؟ فالجواب أن المراد أن زمن الغيبة وهو الذي كانوا يوعدون فيه بالخلود في النار، وهي غائبة عنهم فينقطع برؤيتهم لها.
قوله تعالى: (فَسَيَعْلَمُونَ).
الفاء جواب إذا، والسين للتحقيق لَا للاستقبال؛ لأنهم إذ رأوا العذاب يحصل لهم العلم الحالي لَا الاستقبالي؛ إذ تقول هي للاستقبال. لأن الشرط مقدر الوقوع لا واقع.


الصفحة التالية
Icon