سُورَةُ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)
قال [ابن*] عرفة: القرآن كله مأمور بقوله وتبليغه، وتخصيص ما خصص منه بالأمور بقوله [(قُلْ) *] [قيل*] إما تعظيما لأمره، أو تهويلا لحاله واعتناء بشأنه، وإما لأنه هو جواب عن سؤال مقدر كما قال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) فهذه الآية [تدل*] على أن الكفار طلبوا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعبد آلهتهم [سنة*] ويعبدوا هم [إلهه سنة*] فقال: "معاذ الله أن نشرك بالله شيئا"، [فقالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك*] فنزلت السورة.
قوله تعالى: ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)﴾
هذه حقيقة وصفية، أي لَا أعبد ما أنتم عابدونه من حيث [كونكم*] كفارا، قيل لابن عرفة: إنهم كانوا يشركون بالله، قال (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) فهل [هم*] عابدون الله؟ قال: لَا يصدق عليهم ذلك، وإنما المعنى لَا أعبد ما تعبدونه من حيث إنكم كفار تشركون بالله، [ولا توحدونه*]، بل اعبدوا الله عبادة توحيد واختصاص، قال: واختلفوا هل هذا التكرار تأسيس وتأكيد؟ فمنهم من قال: إن المراد بالأول: الاستقبال، وبالثاني: الحال فهو تأسيس، وقيل: هما معا للاستقبال، وهو تأسيس؛ لأن الأول [تضمن*] نفي العبادة منه، والثاني تضمن نفيها عنهم، ونفي الشيء عن الشيء ليس هو نفيه عن غيره، وأجاب بعضهم بأنه تأكيد لا يستلزم الأول له؛ لأنه نفى عنه الذي سيعبدونه في المستقبل عن العموم، فيتناول كل معبوداتهم في المستقبل على الإطلاق، وقد يتوهم أنهم يسلمون في المستقبل، فعبادتهم في المستقبل يلزم منهم عدم إسلامهم في المستقبل، وأنهم لَا يعبدون في المستقبل الأصنام بقوله (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣).. تأكيد بهذا الاعتبار إلا أنه ليس [صريحا*] بل مستفاد من اللزوم، فإن قلت: الجملة الأولى قابل فيها مضارعين بمضارعين، والجملة الثانية قابل فيها ماضياً بمضارع فما [السر*] في ذلك؟ وأجاب الزمخشري: فيه إساءة أدب، قال: لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن في ابتداء أمره يعبد الله عز وجل، والكفار لم يزالوا في بدايتهم يعبدون الأصنام، ورده شيخنا ابن عرفة، بأن أكثر الأصوليين قالوا بأنه لم يزل متشرعا بشريعة إبراهيم عليه السلام، قال: وإنما الذي عادتهم يجيبون به: أن عبادة الأصنام لما كانت مذمومة شرعا أتى بلفظ الماضي الذي وقع وانقطع، وعبادة الله تعالى لما كانت مطلوبة فرغب فيها شرعا، أتى بها بلفظ المضارع الذي وقع ودام إشعارا بالحض على هذه، وبالنهي