قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ... (١١)﴾
قال ابن عطية: [يَسْخَرْ معناه: يستهزئ*]، والاستهزاء أخف من السخرية، فالاستهزاء عدم المبالاة به مع استحضاره، قال تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
قال: ورأيت نحوه للسهيلي في الروض الأنف، قلت: قال الزمخشري: في قوله تعالى: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) هو بالضم والكسر مصدر كالسخر إلا في باب النسب بزيادة قوة في الفعل كما فعل بالخصوصية والخصوص.
عن الكسائي والفراء: أن الكسر من الهمزة والمضموم من السخرية والعبودية والأول مذهب الخليل وسيبويه.
قوله تعالى: (عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ).
ابن عرفة: هذا إما تعليل للنهي أو نفي للفعل المعلل، فهو إما راجع للإسخار، أي لَا تسخروا بقوم لتكونوا خير منهم ولا تسخروا بقوم، وعلى الثاني حمله الزمخشري وغيره، والقوم الرجال.
قيل لابن عرفة: يخرج منه سخرة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، فالصواب جعل القوم صادق على الرجال والنساء.
وقال ابن عرفة مرة أخرى: للقائل أن يقول لَا يصح فغير القوم على الذكور لدلالة قوله تعالى: (وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ) لئلا يلزم عليه عدم استيفاء الآية للأقسام الممكنة فيها، وهي أربعة: رجال من رجال، ونساء من نساء، ورجال من نساء، ونساء من رجال، فإن خصصنا القوم بالذكور خرج الأخيران، فإِن جعلناه شاملا لهم وللإناث شمل الجميع ويكون قوله تعالى: (وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ) تأكيدا وهو أولى من كونه تأسيسا المستلزم لعدم كمال الفائدة.
قوله تعالى: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ).
نقل الزمخشري: هنا عن الحسن أنه قال في الحجاج أتانا أخيفش أعيمش إلى آخره.
قال ابن عرفة: هذا لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "لَا غيبة في فاسق".
قيل لابن عرفة: هذا لَا يصح لأن القاضي عياض حمل الحديث على غيبة الفاسق فيما كان به فاسقا، يقال: ظلم في كذا بأفعاله الكسبية؛ لَا بصفاته الخلقية التي لم يكن


الصفحة التالية
Icon