ابن عرفة: كان يمشي لنا ما السر في تخصيص جواب القسم بنطقهم، ولم يقل: مثل ما أنكم تسمعون أو تبصرون أو تعقلون؟ فالجواب: بها ذكر في اللوامع أن النطق الذي هو مشتق من المنطق خلق في الداخل ونطق في الخارج، والداخل كان المراد به الذات وذات كل أحد الشعور بها وإدراكها ضروري بديهي، فصار التشبيه بها في غاية إفادة التحقيق للقسم له بالمقسم عليه، أي هو حق مثل: (مَا أَنَّكُمْ) أنتم بخلاف غيره فإِنه لَا يفيد هذا المعنى.
قوله تعالى: ﴿أَتَاكَ حَدِيثُ... (٢٤)﴾
فيه سؤالان:
الأول: لم قال هنا: (حَدِيثُ)، وفي سورة ص (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ)؟ وجوابه: أن تلك فيها غرابة فناسب التعبير بالنبأ.
الثاني: لم أتى بهذه الجملة غير معطوفة وعطف تلك؟ وجوابه: أن تلك تقدم ذكر بعضها بخلاف هذه.
قوله تعالى: ﴿فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ... (٢٥)﴾
قال السكاكي وغيره من البيانيين: سلام إبراهيم أبلغ لأنه عبر بالاسم المقتضي للثبوت، وسلام الملائكة بالنقل فجرى على أسلوب قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)، انتهى، ويعترض هذا التأكيد فإن سلام الملائكة مؤكد بالمصدر المفيد إزالة الشك من الحديث، [فناب*] التأكيد مناب الثبوت الذي زاد به سلام إبراهيم فاستويا فليس أحدها أبلغ من الآخر، وجوابه: أن التأكيد بالمصدر إنما يفيد إزالة الشك عن الحديث في الخبر لأنه غير مشاهد، فإذا قلت: قام زيد، احتمل الحقيقة والمجاز، فأتى بالمصدر لرفع المجاز وتعيين إرادة الحقيقة، وأما الإنشاء فلا يزيد المصدر فيه، وذلك أن الإنسان إذا [قال:*] بعت لزمه البيع، وليس فيه مجاز، وهذه الآية السلام فيها من قبيل الإنشاء لَا من قبيل الخبر، فلم يزد فيها المصدر زيادة؛ فبقى الأمر على ما كان عليه من اقتضاء الفعل التجدد والاسم الثبوت، فسلام إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبلغ من سلام الملائكة، فإن قلت: المصدر إنما يفيد إزالة الشك عن الحديث فهو يفيد تحقيق وقوع السلام منهم على ما هو عليه، وهو مدلول عليه بلفظ الفعل المقتضي للتجدد، فكان قبل المصدر


الصفحة التالية
Icon