فإن قلت: فيه دليل لأهل السنة في أن الكفر مخلوق لله عز وجل ومراد له في كل شيء، قلت: إنما يتم ذلك لو قيل: وكل شيء مخلوق منه زوجان فنحن خلقناه، أو يقال: وكل شيء خلقنا زوجين مخلوقان لله تعالى، والآية إنما دل عمومها على أنه لم يقل شيئا منفردا؛ بل مع زوج مناظر له، فإن قلت: فلم يخلق الإسلام منفردا بل مع الكفر [المناقض*] له؟ قلت: المعتزلي يقول: إن العبد مستقل بفعله فلم يخلق له الإسلام ولا الكفر.
قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
الزمخشري: [إرادة أن تتذكروا فتعرفوا الخالق وتعبدوه*]، انتهى، هذا اعتزال، فإنهم يقولون: إن الله تعالى أراد من جميع الخلق الإسلام، ونحن نقول: لو أراد ذلك لما وقع منهم كفر، ومعنى التذكر إما لأن التعدد مظنة الافتقار والحاجة في الشاهد فيتذكر أن الله تعالى غني بذاته؛ إذ هو واحد لَا ثاني له، أو لأن التعدد من لوازم الحادث والقديم واحد لَا يتعدد.
قوله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ... (٥٠)﴾
راجع إلى الإقرار بوجوده (وَلَا تَجْعَلُوا) راجع إلى الإقرار بوحدانيته وهو من باب الإتيان بالنتيجة عقب الدليل.
فإن قلت: يؤخذ منه أن ارتباط الدليل بالمدلول غير عقلي وإلا لما احتيج إلى ذكر ذلك؟ قلت: بل نقول إنه عقلي لكن من النَّاس [من يمعن*] النظر ويستجد القريحة فيصل إلى الوجه الذي منه يدل الدليل، وآخر لَا يفعل ذلك.
وفسر الزمخشري هنا الآية على صريح مذهبه، والآية تدل أن لفظ الإله كلي كما يقوله المنطقيون.
قوله تعالى: (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ).
ليس مدلول ذلك في الموضعين واحدا كما قال بعض المعبرين؛ لأن الأول: إنذار من المعاصي وعذابها غير دائم، والثاني: إنذار من الإشراك وعذابه دائم.
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ... (٥٢)﴾
في هذه الآية دليل لمن يقول: إن اتحاد المعلول يوجب اتحاد العلة؛ لأنه جعل إليهم على الكفر معلولا باستوائهم الكل في الطغيان لَا بوصية بعضهم لبعض.
قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ... (٥٥)﴾


الصفحة التالية
Icon