ثم رَفَعه إليه، وتلكَ الليلةُ التي تدخِّنُ فيها النصارى.
وتفرَّقَ الحواريون حيثُ أمرهم، وكسا اللهُ عيسى الريشَ، وألبسَهُ النورَ، وقطعَ عنه لذةَ المطعمِ والمشربِ، وطارَ مع الملائكة، فهو معهم حولَ العرش.
وكان رفعُ المسيحِ ليلةَ القدرِ من شهرِ رمضانَ بعدَ نبوته بثلاثِ سنينَ؛ فإنه (١) نُبِّيَ على رأس ثلاثينَ سنةً، ورفعهُ الله إليه وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سنةً، وكان رفعُه لمضيِّ ثلاثِ مئةٍ وستٍّ وثلاثينَ سنةً من غلبةِ الإسكندرِ اليونانيِّ على أرضِ بابلَ، وبينَ رفعِهِ ومولدِ النبيِّ - ﷺ - خمسُ مئةٍ وخمسٌ وأربعون سنةً، فيكونُ بينَ رفعِه والهجرةِ الشريفةِ النبويةِ المحمديةِ خمسُ مئةٍ وثمانٍ وتسعون سنةً.
أما أمُّه مريمُ عليها السلام فإنها عاشَتْ نحو ثلاثٍ وخمسين سنةً؛ لأنها حملَتْ به لما صار لها من العمر ثلاثَ عَشْرَةَ سنةً، وولدته ببيتِ لحم من أرضِ بيتِ المقدسِ، وعاشتْ مجتمعةً معهُ ثلاثًا وثلاثين سنةً وكسرًا، وبقيت بعدَ رفعِه ستَّ سنينَ، وللمؤرخين في ذلك خلاف، والله أعلم.
وكان رفعهُ من طور زيتا جبلٍ شرقيَّ بيتِ المقدس.
وروي أنه دعا وقتَ رفعِه اللهَ بهذا الدعاءِ، وهو دعاء مُستجابٌ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ القَرِيبُ في عُلُوِّكَ، المتُعَالي في دُنُوِّكَ، الرَّفِيعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِكَ أَنْتَ الَّذِي نَفَذَ بَصَرُكَ في خَلْقِكَ، وحُسِرَتِ الأَبْصارُ دُونَ النَّظَرِ إِلَيْكَ، وغُشِّيَتْ دُونَكَ، وسَبَّحَ لَكَ الفَلَقُ في النُّورِ (٢)، أَنْتَ الَّذِي جَلَيْتَ الظُّلَمَ

(١) في "ت": "وأنه".
(٢) "في النور" سقطت من "ت".


الصفحة التالية
Icon