زوجُها أبو سفيانَ الجبلَ، وصرخَ بأعلى صوته: الحربُ سِجالٌ، يومٌ بيومِ بدرٍ، اعْلُ هُبَل؛ أي: أظهرْ دينَكَ، فأجابَه المسلمون: الله أعلى وأجَلُّ، قال: إنَّ لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، فأجابه المسلمون: اللهُ مولانا ولا مولى لكم، ثم نادى: إن موعدَكُم بدرٌ العامَ القابلَ، فقال النبي - ﷺ - لواحدٍ: "قُلْ هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ"، ثم التمسَ رسولُ الله - ﷺ - عمَّه حمزةَ، فوجده وقد بُقِر بطنهُ، وجُدِعَ أنفُه وأذناه، فقال: "لَئِنْ أَظْهَرَنِي اللهُ عَلَيْهِمْ، لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاَثِينَ مِنْهُمْ". ثم أمرَ رسولُ الله - ﷺ - فَسُجِّيَ حمزةُ ببردةٍ، ثم صلَّى عليه، فكبَّرَ سبعَ تكبيرات، ثم أُتي بالقَتْلى يوضَعون إلى حمزةَ، فصلَّى عليه وعليهم ثنتين وسبعينَ صلاةً، وهذا دليل لأبي حنيفةَ؛ فإنه يرى الصلاةَ على الشهيدِ خلافًا للشافعيِّ ومالكٍ وأحمدَ، ثم أمرَ بحمزةَ فدُفن، واحتُمل ناسٌ من المسلمين إلى المدينة، فدفنوا بها، ثم نهاهم رسولُ الله - ﷺ - وقال: "ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا"، وأصيبتْ عينُ قَتادَةَ، فردَّها رسولُ الله - ﷺ - بيدِه، فكانتْ أحسنَ عينيه.
ولما صرخَ الصارخُ بقتلِ النبيِّ - ﷺ -، قال بعضُ المسلمين: ليتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يأخذُ لنا أمانًا من أبي سفيانَ، وقال ناس من المنافقين: لو كانَ نبيًّا لما قُتل، ارجعوا إلى إخوانِكم وإلى دينِكم، فقال أنسُ بنُ النَّضْرِ عمُّ أَنَسِ بنِ مالك: "يا قوم! إن كانَ (١) محمدٌ قُتل، فإن ربَّ محمدٍ حيٌّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعدَ رسولِ الله؟ فقاتِلوا على ما قاتلَ عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم قال: اللهمَّ إني أعتذرُ إليك مما يقولُ هؤلاء، وأبرأُ إليك مما جاؤوا به"، ثم شدَّ سيفه فقاتل حتى قُتل رضي الله عنه.

(١) "كان" سقط من "ت".


الصفحة التالية
Icon