وعن بعضِ المهاجرين أنه مرَّ بأنصاريٍّ يتشحَّطُ (١) بدمِه، فقال: يا فلانُ! شعرتَ أن محمدًا قَدْ قُتل؟ فقال: إن كان محمدٌ قُتل فقد بَلَّغَ، قاتلوا على دينِكم.
ولما انهزم أصحابهُ جعلَ - ﷺ - يدعوهم "إِلَيَّ عِبَادَ اللهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللهِ (٢) " حَتَّى انحازت إليه طائفةٌ من أصحابه، فلامهم على هَرَبهم، فقالوا: يا رسول الله! فديناكَ بآبائِنا وأمهاتنا، أتانا خبرُ قتلِك، فَرُعبت قلوبُنا، فولَّينا مدبرين، فنزلَ توبيخًا:
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ﴾ (٣) معناهُ: المستغرقُ لجميعِ المحامدِ، وهو الذي كثر حمدُ الحامدين له مرةً بعد أخرى، ويقال (٤) حُمِدَ فهو محمَّدٌ، فتسميته - ﷺ - بهذا الاسم لما اشتملَ عليه من مُسَمَّاه، وهو الحمدُ، فإنه - ﷺ - محمود عند اللهِ، وعندَ ملائكته، وعندَ إخوانِه من المرسلين، وعندَ أهل الأرض كلِّهم، وإن كفر به بعضُهم، فإنَّ ما فيه من صفاتِ الكمال محمودٌ عند كلِّ عاقل، ومحمدٌ هو المحمودُ حمدًا متكررًا كما تقدم، وأحمدُ هو الذي حمدُهُ لربه أفضلُ من حمد الحامدين غيرِه، وهو الذي يحمدُه أهل الدنيا وأهلُ الآخرة، وأهلُ السماء والأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التي تفوتُ عددَ العادِّين سُمِّيَ (٥) باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيلَ والزيادةَ في القدر والصفة، فدلَّ أحدُ الاسمين وهو محمدٌ على كونِه

(١) في "ن": "يتسخط".
(٢) "إلي عباد الله" سقطت من "ت".
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (٤/ ١١١)، و"تفسير البغوي" (١/ ٤٢٦).
(٤) في "ت" و"ن": "وقال".
(٥) في "ت": "تسمى".


الصفحة التالية
Icon