في حكم البسملةِ بينَ كلِّ سورتينِ سوى براءةَ عندَ الكلامِ في البسملة أولَ التفسير، ومُلَخَّصُه: أنَّ مذهبَ الشّافعيِّ رضي الله عنه أن البسملةَ آيةٌ من الفاتحةِ ومن كلِّ سورةٍ سوى براءةَ، ومذهبُ أحمدَ وأبي حنيفةَ أنّها آيةٌ مستقلةٌ بينَ كلِّ سورتينِ سوى براءةَ، فيكره ابتداؤها بها، ومذهبُ مالكٍ أنّها ليستْ بآيةٍ من الفاتحة، ولا من غيرِها، وإنّما كُتبت للتيمُّن والتبرُّك بها معَ إجماعهم على أنّها بعضُ آيةٍ من سورةِ النمل، وأنَّ بعضَها آيةٌ من الفاتحة.
وأمّا مذاهبُ (١) القراء فيها، فقد أجمعوا على حذفِها بينَ الأنفالِ وبراءةَ، وكذلكَ في الابتداءِ ببراءةَ، وأمّا الابتداءُ بالآي وسطَ براءة، ففيه خلافٌ، ويجوزُ بينَ الأنفالِ وبراءةَ كلّ من الوصلِ والسكتِ والوقفِ لجميعِ القراء إذا لم يقطعْ على آخرِ الأنفالِ، فالقطعُ: هو قطع القراءةِ رأسًا، فهو كالانتهاء، والوقفُ: هو قطعُ الصوتِ على الكلمةِ زمنًا يتنفَّس فيه عادةً بنيةِ استئنافِ القراءة، والسكتُ: هو قطعُ الصوتِ زمنًا دونَ زمنِ الوقفِ عادةً من غيرِ تنفُّسٍ، والله أعلمُ.
* * *
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)﴾.
[١] قوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ﴾ خروجٌ من الشيءِ، ومفارقةٌ له بشدَّةٍ، والتقديرُ: هذِه براءةٌ ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُه ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ أيُّها المؤمنون.
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ والمعنى: أن الله ورسوله قد برءا من العهد الّذي عاهدتم به المشركين، رُوي أنّه لما خرجَ رسولُ اللهِ - ﷺ - إلى تبوكَ، كان المنافقون يُرْجِفون الأراجيفَ، وجعلَ المشركونَ ينقُضون عهودًا كانت

(١) في "ت": "مذهب".


الصفحة التالية
Icon