بالكهف فيسد عليهم حتى يموتوا جوعًا فيه، وظنهم أيقاظًا وهم رقود، أراد الله تعالى أن يكرمهم، وأن يجعلهم آية، وكان القوم يُقلبون ذات اليمين وذات الشمال، ثم عمد رجلان كانا مؤمنين في بيت الملك يكتمان إيمانهما اسم أحدهما يندروس، والثاني روناس، فكتبا شأن الفتية وأنسابهم في لوح من رصاص، وجعلاه في تابوت من نحاس، وجعلاه في البنيان، فبقي دقيانوس ما بقي، ثم مات وقومه وقرون بعده، وخلفت الملوك بعد الملوك، ثم مَلَكَ تلك البلاد رجل صالح اسمه نيدوسيس ثمانيًا وعشرين سنة، فتحزب الناس في ملكه، فكانوا أحزابًا، منهم من يؤمن بالله، ومنهم من يكفر ويكذب بالساعة، فبكى الملك الصالح، وتضرع إلى الله حين رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق، ثم دخل بيته وأغلق بابه، ولبس مُسوحًا وجعل تحته رمادًا، وجعل يتضرع إلى الله تعالى، ويبكي ويدعو الله أن يظهر لهم آية يبين لهم بطلان ما هم عليه، حتى أراد الله أن يظهر على الفتية أصحاب الكهف، ويبين للناس شأنهم، ويجعلهم آية؛ ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن يستجيب لعبده الصالح، ويجمع كلمة المؤمنين، فألقى في نفس رجل من ذلك البلد الذي به الكهف أن يهدم بنيان لهم (١) الكهف، فيبني حظيرة لغنمه، فهدمه، وحجبه الله بالرعب حتى لا يقدر أن يتقدم حتى ينظر إليهم، وكلبهم دونهم، وأذن الله للفتية أن يجلسوا، فجلسوا مستبشرين، فسلم بعضهم على بعض، حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون بها إذا أصبحوا من ليلتهم، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ﴾ أيقظناهم بعد ما أنمناهم.

(١) "فم" ساقطة من "ت".


الصفحة التالية
Icon