﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾ المقيم ﴿وَالْبَادِ﴾ أي: الآتي إليه من البادية. قرأ حفص عن عاصم: (سَوَاءً) نصب بإيقاع الجعل عليه؛ لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين، وقرأ الباقون: بالرفع على الابتداء، وما بعده خبره، وتمام الكلام عند قوله: (للناس) (١)، وأثبت أبو عمرو، وأبو جعفر، وورش: الياء في (البادي) وصلًا، وأثبتها ابن كثير ويعقوب وصلًا ووقفًا، وحذفها الباقون في الحالين، وهي في الإمام بغير ياء (٢)، المعنى: المقيم فيه، والوارد إليه سواء، لا يخص بعضًا دون بعض.
وأجمع الناس على الاستواء في نفس المسجد الحرام، واختلف في مكة، فذهب عمر بن الخطاب، وابن عباس، ومجاهد، وجماعة إلى أن الأمر كذلك في دور مكة، وأن القادم له النزول حيث وجد فارغًا، وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبي، وقال ذلك سفيان الثوري وغيره، وكذلك كان الأمر في الصدر الأول.
وروي أن النبي - ﷺ - وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- قُبضوا وما تُدعى دور مكة إلا السوائبَ، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن (٣)، وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة، فاتخذ رجل بابًا، فأنكر عليه عمر
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٥٨)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٢٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ١٧٥).
(٣) رواه ابن ماجه (٣١٠٧)، كتاب: المناسك، باب: أجر بيوت مكة، والدارقطني في "سننه" (٣/ ٥٨)، وغيرهما عن علقمة بن نضلة -رضي الله عنه-.