كل يوم ينزع من كل واحدة مئتي رطل ذهبًا وفضة، وفرش المسجد بلاطة من ذهب وبلاطة من فضة، وبألواح الفيروزج، فلم يكن يومئذ بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد، كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر، وفرغ منه في السنة الحادية عشرة من ملكه، وكان ذلك بعد هبوط آدم بأربعة آلاف وأربع مئة وأربع عشرة سنة، وبين عمارة سليمان لمسجد بيت المقدس والهجرة الشريفة النبوية المحمدية -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- ألف وثماني مئة وقريب سنتين، وتقدم ذكر ذلك ملخصًا في سورة الإسراء.
ولما فرغ من بناء المسجد (١)، سأل الله ثلاثًا: سأله حكمًا يوافق حكمه، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وسأله ألَّا يأتي هذا المسجدَ أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وروي عن النبي - ﷺ - أنه قال: "إنَّ سُليمانَ بنَ داود -عليهما السلام- سأل ربَّه ثلاثًا، فأعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثةَ: سأله حُكمًا يصادف حُكمه فأعطاه، وسأله مُلْكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأعطاه، وسأله: أيُّما رجُلٍ يخرج من بيته لا يُريد إِلا الصلاةَ في هذا المسجد، أن يخرج من خطيئته كيومَ ولدته أمُّه، فنحن نرجو أن يكون قد أعطاه إيَّاه" (٢).
ولما رفع سليمان يده من البناء بعد الفراغ منه، جمع الناس وأخبرهم أنه

(١) في "ت": "مسجد بيت المقدس".
(٢) رواه النسائي في "سننه" (٦٩٣)، كتاب: المساجد، باب: فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه، وابن ماجه (١٤٠٨)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس، وأحمد في "المسند" (٢/ ١٧٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.


الصفحة التالية
Icon